تحتل القدس الشرقية مكانة مهمة واستراتيجية لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم، لكونها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام كانوا يتوجهون إلى القدس أثناء صلاتهم قبل أن يؤمروا من المولى عز وجل بالتوجه إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة
ومع ذلك استمرت أهمية القدس لدى المسلمين وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى بالقدس من المساجد التي تشد لها الرحال، بالإضافة إلى بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة كما أن الصلاة في المسجد الأقصى تعادل في الأجر والثواب (500) صلاة فيما عداه من المساجد باستثناء بيت الله الحرام الذي تعادل الصلاة فيه (100) ألف صلاة والمسجد النبوي الذي تعادل فيه الصلاة (1000) صلاة كما أن سيدنا رسول الله في حادثة الإسراء والمعراج المعجزة قد اسري به من مكة إلى القدس ثم عرج به إلى السماء فرأى بعض آيات الله الكبرى حيث أصبح عليه السلام أول وآخر إنسان يصل إلى هذا المستوى الكوني فقد وصل حتى السماء السابعة وليس فقط للقمر الذي وصله الإنسان في العصر الحاضر، كما أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما عزم المسلمون على دخول القدس حرص على أن يشارك في ذلك حيث قام بتسليم مفاتيحها بنفسه كما أن القدس لما فقدت بعد ذلك في مرحلة من مراحل التاريخ لم يهنأ للمسلمين بال حتى تمت استعادتها مرة أخرى على يد القائد الإسلامي الفذ صلاح الدين الايوبي ثم استمرت القدس بعد ذلك بأيدي المسلمين حتى بعد قيام إسرائيل (1948م) حيث حرصت هيئة الأمم المتحدة في مشروع تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين والإسرائيليين على بقاء القدس ضمن القسم الخاص بالفلسطينيين، وهو الأمر الذي يؤكد تابعية القدس الشرقية للفلسطينيين.
وقد استمرت القدس بعد ذلك تابعة للعرب والمسلمين، حتى الخامس من يونيو سنة (1967م) عندما قامت إسرائيل باحتلالها ضمن الضفة الغربية وبقية الأراضي العربية الأخرى المحتلة، ومنذ ذلك التاريخ لا تزال مدينة القدس الشرقية محتلة من قِبل إسرائيل على الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت بعد حرب (1967م) التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العريبة المحتلة وكذلك على الرغم من محاولات إحلال السلام بين العرب وإسرائيل ومنها المؤتمر الدولي للسلام الذي عُقد في مدريد سنة (1991م) واتفاق أوسلو الذي عُقد بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد ذلك بفترة وجيزة، والمبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل والتي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام حيث تقضي هذه المبادرة باعتراف جميع العرب بإسرائيل والتعايش معها مقابل انسحابها من بقية الأراضي العربية المحتلة وهي الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
وقد سبق للرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) أن أعلن خلال فترة رئاسته الأولى عن ضرورة إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل ووعد بتنفيذ ذلك سنة (2005م) ولم يتم تنفيذ هذا الوعد ربما بسبب الحرب في أفغانستان والعراق ثم أعلن الرئيس الأمريكي السابق عن موعد آخر لقيام الدولة الفلسطينية وهو سنة (2009م) ولم ينفذ ذلك أيضاً مع أن الرئيس الأمريكي السابق قد ركز بقوة وهو في عامه الأخير في السلطة في سبيل الوفاء بوعده فقد دعا إلى مؤتمر دولي للسلام عقد في (انابوليس) في ولاية ميرلاند الأمريكية حضرته كثير من دول العالم وفي مقدمتها الدول الكبرى والدول العربية الفاعلة وكان الهدف من هذا المؤتمر إعلان انطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي بدأت بالفعل بعد انتهاء هذا المؤتمر بالاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي والرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي كما أن مما يدلل على مشروع الرئيس بوش في قيام الدولة الفلسطينية زيارته لمنطقة الشرق الأوسط لأول مرة منذ توليه الرئاسة حيث زار إسرائيل وفلسطين المحتلة.
ومما يمكن أن يقال لفخامة الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الذي أعلن عزمه على إيجاد حل للصراع في الشرق الأوسط ووقف بقوة ضد سياسة الاستيطان ان مدينة القدس الشرقية هي مفتاح حل القضية فلو قررت إسرائيل الانسحاب من كامل الضفة والقطاع باستثناء القدس الشرقية فإن ذلك لن يؤدي إلى التوصل إلى حل القضية وذلك لأهمية مدينة القدس الشرقية للعرب والمسلمين كما سبق أن أشرنا وجميعنا نتذكر الجهود التي بذلها الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) في سبيل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حيث رمى بكل ثقله السياسي في ذلك وزار المنطقة عدة مرات واستضاف الرئيس الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل (إسحاق رابين) ثم رئيس الوزراء الذي جاء بعده (ايهود براك) وكادت القضية تصل إلى حل تاريخي لولا إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالقدس الشرقية.
ولذلك فإنه مطلوب من فخامة الرئيس أوباما أن يراعي هذه الجزئية الحساسة بأن يرغم إسرائيل على عدم التمسك بالقدس الشرقية وكذلك إيقاف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والانسحاب من القدس الشرقية مع بقية الأراضي الفلسطينية، فإسرائيل ليس لها حق في مدينة القدس الشرقية التي كانت تابعة للفلسطينيين قبل وبعد قيام إسرائيل سنة (1948م) واحتلتها إسرائيل ضمن الأراضي المحتلة في حرب (1967م) فعودتها للفلسطينيين يتمشى مع مبدأ الشرعية الدولية وهي المدينة التي يأمل الفلسطينيون أن تكون عاصمة لدولتهم كما أن الجانب الغربي من المدينة قد اتخذته إسرائيل عاصمة لها فتقارب العاصمتين سوف يساهم في توثيق العلاقات بين إسرائيل والدولة الفلسطينية ويقوي الأواصر بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فهل يأخذ الرئيس أوباما ذلك في الحسبان، ذلك أن إصرار زعماء إسرائيل بما فيهم رئيس الوزراء الحالي (نتنياهو) على بقاء القدس موحدة مع أن الجانب الشرقي منها حقٌ للفلسطينيين سوف يؤدي إلى عدم الوصول إلى السلام المنشود، فالقدس الشرقية بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
asunaidi@mcs.gov.sa