في صيف 1996م دعيت لحضور مؤتمر في العاصمة النيجيرية آنذاك (لاجوس) وقد كانت رحلة شاقة في بدايتها ممتعة في فعالياتها، حمدت الله أنني لم أغير رأيي وأرجع من مطار القاهرة، حيث كانت رحلتنا التي بدأت من الرياض مروراً بجدة ونزولاً في القاهرة، ومن ثم المواصلة إلى لاجوس، حيث كان وصولنا في وسط النهار، وكانت الترتيبات في غاية الدقة، حيث لم تستغرق إجراءات المطار أكثر من عشر دقائق توجهنا إلى الفندق المعد لإقامتنا وكنا مجموعة من الإخوة مصريين وإماراتيين وقطريين وأنا السعودي الوحيد، على الرغم من أن المدعوين الذين لبوا الدعوة أكثر من عشر شخصيات ذات وزن كبير وما كان لي أن أذهب لو كنت أعرف مسبقاً أنني الوحيد، ولكن أراد الله بي خيراً، حيث لم أعلم إلا وأنا في مطار القاهرة وبت ليلتها حيران هل أرجع أم أواصل..؟ حتى قابلت الدكتور عبدالحليم عويس هذا الرجل الذي أعرفه من خلال قلمه ومؤلفاته فاستأنست به وقررت المواصلة، وكان نعم القرار.
ما أن دخلت غرفتي في الفندق إلا وإذا بالملحق الديني في سفارتنا الأخ عبدالرحمن الغامدي يتصل بي ويعرفني بنفسه ويستأذن للمرور علي فرحبت به وجاءني مرحباً عارضاً كل خدمات السفارة، وموجهاً وناصحاً لي في عدم كثرة الدخول والخروج من الفندق خاصة في الليل، لما يكتنف الخروج من أخطار.
مرت أيام المؤتمر الذي كان تحت عنوان (مستقبل الإسلام في إفريقيا) ومرت معه زيارات لكثير من الأماكن والشخصيات وقد كانت رحلة ممتعة ومختلفة.
آتي لهدفي من ذكر هذه الرحلة وهي أنني كنت وحيداً لا أمثل أي جهة رسمية سعودية وقد كانت الحفاوة بي كبيرة جداً وهذا يدل على مكانة المملكة في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن المسلمين يثقون في أي قادم من هذه البلاد مهما كان مستوى تمثيله.
أسر لي أمين المؤتمر بخيبة الأمل التي منوا بها حيث لم يحضر وفد من المملكة التي كانوا يعولون على علمائها الشيء الكثير في إثراء فعاليات هذا المؤتمر، بينما حضر من إيران وحدها أكثر من عشرين شخصاً، وكان حضورهم لافتاً ومميزاً.
إنه يجب أن ندرك أننا في المملكة العربية السعودية لنا ثقلنا وهذا الثقل يحتم علينا أن لا نغفل مثل هذه اللقاءات التي لها من الأثر على الشعوب الشيء الكثير.
إن قارة مثل قارة إفريقيا لو حدث أن تحول ولاء شعوبها ولا أقول مذهبها إلى الدولة الشيعية فقد نخسر الكثير ليس في المملكة بحسب بل في جميع دول المنطقة، لقد صارحني أكثر من مسؤول في هذا المؤتمر بتعاظم الدور الشيعي في منطقتهم وهذا الكلام مضى عليه أكثر من ثلاثة عشرة سنة، فما هو الوضع الآن..؟
إن قضية ولاءات الشعوب يجب ألا نتهاون فيها، وان نوليها الاهتمام الكبير الذي تستحقه فهي من أهم ما يجب أن نوليه المزيد من الرعاية والاهتمام، ويجب أن ندرك أن المال وحده لا يكفي لبناء مجتمعات ذات ولاء، وإنما الشيء الذي لا يمكن أن يخترق هو التواصل الايجابي مع هذه المجتمعات، تواصلا دينيا وثقافيا واجتماعيا.
للمملكة العربية السعودية كما أسلفت دور هام وكبير ولها ثقلها العربي والإسلامي الذي لا يستهان به على كافة الأصعدة، ولذا فمن المهم استثمار ذلك في خلق ولاء لثقافتنا وقيمنا التي هي أقيم القيم.. قيم هذا الدين العظيم.
بذلت المملكة ومازالت تبذل لا ترجي من أحد جزاء ولا شكورا وهذا ديدنها منذ الأزل، ولكن قضية الولاء من عدمه لا تندرج تحت مسمى طلب الجزاء أو الشكر، وإنما هي من منطلق المكاسب التي تحقق للجميع الاستقرار والنماء الذي ينشده الجميع، لا ولاءات الانسلاخ من الهوية والتبعية المقيتة، وتحويل هذه المجتمعات إلى ثكنات عسكرية تتلقى أوامرها من الملالي والآيات.
اليوم تعيش القارة الإفريقية ويجب أن ندرك ذلك جيدا حالة من التبشير المنظم للمذهب الشيعي، لا يعرف ذلك إلا من يعيش هناك، وقد حققت نجاحات يجب الاعتراف بها وأنها صارت واقعا ملموسا، ولذا فان التصدي لمثل هذا العمل الخطير بات أمرا مطلوبا بل ومتعين، فالقضية لها أبعاد مختلفة سياسية وعقائدية، مما يشكل خلل في التركيبة السكانية ويحدث زلزالا اجتماعيا وسياسيا كبيرا في تلك المجتمعات وهذا وان حدث لن يكون بأي حال من الأحوال مصدر رضا لنا ولحماة هذا الدين.