Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/07/2009 G Issue 13450
الأحد 04 شعبان 1430   العدد  13450
من روّاد التعليم والتربية في بلادنا (عبدالرحمن التونسي)

 

تعود بداية معرفتي بالمربي الفاضل والإداري القدير والمسؤول الناجح أستاذ الجيل عبدالرحمن بن صالح التونسي يرحمه الله إلى صيف عام 1378هـ. في ذلك العام انتظمت مجموعة مختارة واعية من المعلمين الشباب من مختلف مناطق ومحافظات المملكة، حضروا وتجمعوا في مدينة الطائف (المصيف الرائع المأنوس) للالتحاق بالدورة التدريبية الصيفية التي تقيمها وزارة المعارف كل عام لتأهيل مَنْ يتم اختيارهم وترشيحهم للانتظام بهذه الدورة ليقوموا بعد ذلك بالتدريب الرياضي البدني في المدارس الحكومية إبان أوج ازدهار التربية البدنية بمختلف المراحل التعليمية، وكنت أحد المرشحين للانتظام بهذه الدورة التي يلزم نظامها الحضور والالتحاق بها لمدة ثلاثة أعوام متتالية في العطلة الصيفية، يُمنح بعدها الملتحق (المعلم) دبلوم التربية الرياضية، وكان طيلة التحاقي بها يدير شؤونها بكل مسؤولية واقتدار هذا المربي الإنسان، وكان وقتها يعمل مديراً عاماً لرعاية الشباب بوزارة المعارف في عهد وزيرين رفعا راية التنوير والتطوير في تلك الحقبة هما أول وزير لها الملك فهد ومن ثم حسن آل الشيخ رحمهما الله.

كانت هذه الدورات الرياضية الصيفية بالطائف تلقى العناية والمتابعة والدعم السخي من قِبل كبار المسؤولين بالوزارة، وفي مقدمتهم من كان كل عام وفي نهاية كل دورة يرعى احتفالاتها الختامية، ذلكم هو أول وزير للمعارف في تلك الحقبة المزدهرة (خادم الحرمين الشريفين المليك المفدى رائد التعليم النظامي الحديث فهد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى).

لقد كان الأستاذ التونسي رجلاً مثالياً في عمله، ديناميكياً في أسلوبه، يطبع سلوكه الدائم التواضع الجمّ والتجاوب المثمر.. وكنا طلاب الدورة وكأن المشهد أمامي الآن نتحلق حوله في نقاشات هادفة وحوارات بنّاءة، شباب في مقتبل العمر وفي ذروة الحماس من جميع أنحاء المملكة من حائل والقصيم والهفوف والمدينة المنورة ومن عسير وجازان ومن الجوف ووادي الدواسر والطائف وغيرها، فتجمعنا تلك المحبة الحميمية الصادقة الخالصة في إطار الرابطة الوطنية والتلاحم الأخوي، وكان يرحمه الله دائماً في المقدمة يشارك ويبارك في تعميق واجبات الزمالة والتعارف بين أبناء الوطن الواحد، يضع الجميع في ميزان واحد لا يعرف شيئاً اسمه المحاباة في علاقاته ولا تعرف الأثرة أو الأنانية أو الإقليمية الضيقة إلى نفسه سبيلاً.. يساعده ويسانده في مهام عمله كوكبة مختارة من العاملين بالوزارة وبعض المناطق التعليمية يتم ترشيحهم من قِبل الوزارة، أذكر منهم على سبيل المثال: الأساتذة: عباس حداوي، سرحان صالح العتيبي، عبدالعزيز فطاني، سعيد بوقري، حسن سلطان. وكان معظم الذين يقومون بمهام التدريب الرياضي والتدريس بهذه الدورات من الإخوة المصريين المؤهلين من الرعيل الأول الذين يصعب تعويضهم لما يتحلون به من إخلاص ومثابرة وجهد مبدع.

نابعة دوافعه من القلب، والأستاذ عبدالرحمن التونسي ينتمي إلى إحدى الأسر العريقة بالأصالة والوفاء وطلب العلم من المدينة المنورة ومن مواليدها ومن صفوة شبابها، ظل في وزارة المعارف طيلة سنين خدمته منذ تخرجه من جامعة القاهرة، عاصر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد عندما كان وزيراً للمعارف، وابتعها طيلة السنين التي كان فيها معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ - يرحمه الله - وزيراً للمعارف، وكانت تربطه بالشيخ حسن زمالة عمل وأخوّة صادقة، سداها المحبة ولحمتها الوفاء والإخلاص، ظلت هذه الصداقة تزداد مع الأيام قوة ومتانة وعمقاً طيلة حياتهما يرحمهما الله. ومن عجائب قدرة الله أنهما توفيا في أسبوع واحد، وكان الشيخ حسن قد كتب مقالاً نُشر في إحدى الصحف المحلية يرثي رفيق دربه الأستاذ التونسي، ومن الغد سلم الأول روحه إلى بارئها ومداد القلم لم يجف بعد ولحق برفيقه إلى دار البقاء بإذنه تعالى.

وقد أشارت إلى هذه التفاصيل (المجلة العربية) في عددها الخاص برثاء الشيخ حسن عند وفاته - يرحمه الله - في شهر جمادى الثانية 1407هـ الموافق فبراير 1987م. وفي السنين الأخيرة من حياة الأستاذ التونسي حتى وفاته أُسندت له مهام الإشراف والإدارة على مدارس الثغر النموذجية بجدة بمرتبة وكيل وزارة، وذلك ناتج من أهمية هذا المركز التربوي الرفيع؛ حيث اختاره ورشحه لهذا المنصب معالي الشيخ حسن وحاز رضا وترحيب ولاة الأمر.

وقبل أن أختتم هذه السطور المقتضبة عن أحد الرموز الرياضية والتربوية، الذي يمثل أحد الرواد الأوائل الأفذاذ الذين خدموا التربية الرياضية بأنشطتها المختلفة داخل المدارس بمختلف المراحل التعليمية، لا يسعني بعد ذلك إلا أن ألقي الضوء ولو باختصار عن واقع التربية البدنية في مدارسنا في الوقت الحاضر وكيف كانت تعيش ازدهاراً وحركة ووعياً قبل ثلاثين عاماً بخلاف واقعها الرتيب الممل المهمش الآن، ولم يبق من وهج وأثر للرياضة إلا بصيص ضئيل يتمثل في كرة القدم من أجل إزجاء وقت الحصة الوحيدة المقررة في الأسبوع التي تتمثل جدواها في اعتبارها رافداً في المجموع الكلي لدرجات الطالب، يزاولها بطريقة عشوائية في ملاعب شبه بدائية ترابية أو بطبقة شاحبة من الأسفلت؛ حيث تفتقد غالبية المدارس الغرف والساحات اللائقة والأجهزة المناسبة المتطورة التي تشجع على الإقبال على الرياضة بأنواعها؛ لذا لا نستغرب إذا ما لاحظنا انتشار البدانة في أجسام السواد الأعظم من طلبتنا إلى درجة الترهُّل؛ الأمر الذي يدعو إلى الشفقة والرثاء؛ حيث إن حالتهم تزداد سوءاً لفقدانهم اللياقة البدنية عاماً بعد عام بعد أن أغفلنا أو همشنا دور التربية الرياضية الحيوية داخل مدارسنا. والحديث يطول عن هذه الحالة التي تضاف إلى تكدس الطلاب بالفصول وسوء التهوية فيها مع تعقيد المناهج وضخامة المقررات وتكرارها.. ولعل لنا عودة إلى بسط الحديث في هذا الموضوع متى ما وجدنا لذلك قبولاً وتجاوباً لدى المسؤولين.. والله ولي التوفيق.

عبد الله الصالح الرشيد
ص.ب 27097 - الرياض 11417





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد