من الشخصيات المهمة في مسيرة التأليف في تاريخنا الإسلامي أحمد بن علي بن ثابت، وهو مشهور بلقبه (الخطيب البغدادي)، وقد توفي سنة (463هـ). ألَّف الخطيب في عشرات المجالات، وله مئات المؤلفات ما بين كتاب صغير الحجم وله موسوعات تصل إلى أكثر من عشرة مجلدات من بينها كتابه الأشهر (تاريخ بغداد). ألَّف في القضايا الكبرى كتباً مهمة، في علم الحديث الشريف، وألَّف في جوانب قد يراها بعضهم غير مهمة أو أنها من الترف العلمي وبخاصة أنه يعيش في قرون متقدمة جداً.
من بين كتب الخطيب التي لقيت شهرة عند الجميع وطبعت عدة طبعات كتاب (التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم).
هذا الكتاب الضخم الذي قاربت صفحاته المائتي صفحة يتحدث عن الطفيليين وهم من يحضر المناسبات وهم لم يدعون، وحضورهم لأجل الأكل والتلذذ بالطعام والشراب، كما أشار الخطيب في كتابه!
المؤلف في كتابه هذا قبل أن يذكر القصص والنوادر في هذا الموضوع ذكر التأصيلات الشرعية واللغوية، فبين معنى التطفيل وبين جوانب شرعية من أحكام الذهاب إلى الآخرين مثل أنه من المطلوب شرعاً إذا دعاك شخص لتناول وجبة، فمن المطلوب أن تخبره أنك ستصحب معك شخصاً آخر لاحتمال أن تكون الدعوة شخصية أو أن هذا الشخص غير مرغوب فيه عند الداعي، وهذا أدب راقٍ.
المهم أن الخطيب تحدث في مجالات كثيرة قبل أن يأتي بقصص في الطفيليين، مع التذكير بأن جزءاً من القصص التي شاهدناها أو مثلت قديماً في مسلسلات تاريخية عن من يحضر المناسبات دون دعوة لأجل الطعام هي في أصلها مأخوذة من هذا الكتاب.
ومن طريف هذا الكتاب أنه ذكر قصصاً لمن احتال لأجل دخول المناسبات الخاصة لأجل لقمة طعام هنا أو هناك.
عموماً الكتاب رائع ولا يغني هذا العرض السريع عن قراءته، ففيه مواد وأخبار ومواقف جديرة بالقراءة والتأمل.
أخيراً: قراءتي في هذا الكتاب جعلتني أتفهم الدوافع التي جعلت الخطيب يؤلف هذا الكتاب في زمنه القرن الخامس الهجري، ومدينته بغداد، لكن ألا يحق لي أن أتساءل هل يوجد في زماننا هذا الطفيلي بالمعنى الذي قرره الخطيب البغدادي في كتابه التطفيل أي أن هناك من يحضر المناسبات دون دعوة لأجل الأكل فقط، ويحتال لذلك.
أعتقد أنه قليل - إن وجد - لأننا نجد الآن في المناسبات بشكل عام أن نسبة الحضور قليلة إذا قورنت بالمدعويين، كما أن المنظر اللافت في كثير من المناسبات وللأسف هو أن حجم ما يقدم من الأطعمة كبير جداً مع عدد حضور أقل ونسبة كبرى من الأشخاص الذين يطلبون الحمية لأسباب صحية وغيرها.
إذن هل مجتمعنا بحاجة إلى إعادة نشر وتحقيق كتاب الخطيب البغدادي في التحذير من ظاهرة الطفيليين الذين يحضرون المناسبات بدون دعوة أم أننا نرحب بكل طفيلي ونقول له على الرحب والسعة، فقد تغير الزمان عن زمان الخطيب البغدادي، فقد مضى على زمانك أيها الخطيب قرابة العشرة قرون وأصبح حتى المدعو لا يحضر المناسبات، ولم يعد الطعام حتى ولو كان فاخراً يجذب الناس للحضور.
للتواصل
tyty88@gawab.com