لقد تحول الضغط على زر (إعادة ضبط) العلاقات الدبلوماسية إلى مسعى شائع في هذه الأيام. قام الرئيس باراك أوباما للتو برحلة إلى موسكو من أجل (إعادة ضبط) العلاقات المتوترة بين روسيا والولايات المتحدة. أما الاتحاد الأوروبي فعلى الرغم من عدم احتياجه إلى (إعادة ضبط) بسبب علاقات متوترة مع الدول المجاورة له في الشرق إلا أنه منهمك في عملية إستراتيجية عميقة لإعادة بناء هذه العلاقات.
حين بدأ الاتحاد الأوروبي شراكته الشرقية الجديدة في مايو- أيار، كان الغرض من ذلك تشجيع المزيد من التكامل مع الدول الست المجاورة للاتحاد الأوروبي مباشرة - أرمينيا، وأذربيجان، وبيلاروسيا، وجورجيا، ومولدوفا، وأوكرانيا. لقد جعلت الأزمة المالية العالمية من تحديث وتعزيز سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع جيرانه في الشرق حاجة ملحة. وعلى نفس القدر من الأهمية كانت الحقيقة الواضحة أن كل البلدان المعنية أعربت عن طموحها إلى التقرب من الاتحاد الأوروبي.
إن الشراكة الشرقية التي نشأت من مبادرة بولندية سويدية تقدم للبلدان الستة الفرصة لتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بشكل ملموس وتعميقها في مجالات رئيسية. ففي إطار العلاقات التجارية والاقتصادية تحدد هذه الشراكة هدف تأسيس مناطق تجارة حرة عميقة وشاملة بين الاتحاد الأوروبي والبلدان الشريكة. وهي تؤكد على تحرير التأشيرة بالكامل باعتباره هدفاً طويل الأجل (مع عقد اتفاقيات تيسير الحصول على التأشيرة في الوقت نفسه)، وتعد بالتعاون المعزز في مجال أمن وتنويع وكفاءة الطاقة، وتأتي مع برامج ومشاريع مخصصة لإعانة دول الجوار على جهود التكامل والإصلاح في كافة هذه المجالات.
إن تولي السويد لرئاسة الاتحاد الأوروبي في هذا الشهر من شأنه أن يدعم هذه الجهود. ولكنه يأتي في وقت حيث تواجه البلدان المجاورة للاتحاد الأوروبي من جهة الشرق تحديات قاسية، بينما تضرب الأزمة المالية والاقتصادية العديد من البلدان الشريكة بكل قوة.
فأوكرانيا تعاني من هبوط حاد في الطلب العالمي والتجارة، الأمر الذي يهدد صناعة الفولاذ لديها بشدة. وكان النجاح الاقتصادي الذي حققته جورجيا معتمداً إلى حد كبير على الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي لم تعد الرغبة فيه كبيرة اليوم. أما البلدان الشريكة الأقل اندماجاً في السوق العالمية، مثل مولدوفا، فكانت الأزمة أبطأ في الوصول إليها، غير أن الأثر الحقيقي الذي ستخلفه الأزمة قد لا يقل سوءاً، ومن المرجح أن يستغرق تعافي هذه البلدان وقتاً أطول أيضاً.إن الشراكة الشرقية لا تقدم أية علاجات سريعة للأزمة. ولكنها من الممكن أن توفر إطاراً سياسياً ووسيلة لدعم بناء المؤسسات من أجل معالجة أسباب العجز والقصور التي جعلت هذه البلدان عُرضة للأزمة: اقتصاد السوق المنقوص، ومؤسسات الدولة الضعيفة، والفساد المستمر. والحقيقة أن ما تعرضه الشراكة الشرقية من التكامل العميق مع الاتحاد الأوروبي في مجالات مثل التجارة والطاقة يحمل في طياته قدراً كبيراً من طاقات التغيير.
أما النوع الثاني من الأزمة والذي تعاني منه أغلب البلدان الشريكة فهو ذو طبيعة سياسية. ففي أغلب هذه البلدان لم يبلغ التطور الديمقراطي بعد تلك النقطة التي يتحول عندها انتقال السلطة إلى جزء روتيني من الحياة السياسية ويحدث دون تعريض استقرار البلاد للخطر. إن الشراكة الشرقية تقوم على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون. ولا شك أن الارتباط السياسي بالاتحاد الأوروبي، وعملية التكامل في ظل هذه الشراكة، من شأنه أن يشجع الإصلاح في مثل هذه المجالات.
إن الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي سوف تركز على الشروع في تنفيذ الجانب الملموس من الشراكة. ومن المفترض أن يتم إنشاء البرامج الشاملة لبناء المؤسسات، والمصممة لدعم إصلاح المؤسسات الرئيسية في كل من البلدان الشريكة، قبل نهاية هذا العام.
وسوف تظهر إلى النور أخيراً بعض المبادرات الرئيسية التي اقترحتها المفوضية الأوروبية، ومن المرجح أن يتم تصميم مشاريع ومبادرات جديدة. وهنا فإن السويد سوف تولي أهمية خاصة لبرامج كفاءة الطاقة، التي لن تخدم أغراض تعزيز أمن الطاقة وخفض تكاليفها فحسب، بل وسوف تشكل أيضا إسهاماً مهماً في جهود مكافحة تغير المناخ.
إن الرئاسة السويدية، بالاشتراك مع المفوضية الأوروبية، تعتزم تنظيم أول اجتماع لمنتدى المجتمع المدني للشراكة الشرقية في خريف هذا العام. ونحن نأمل أن نرى بداية التعاون البرلماني، فضلاً عن التبادل بين السلطات المحلية والإقليمية في بلدان الاتحاد الأوروبية وبلدان الشراكة الشرقية. ومن المفترض أن يتم تقييم التقدم الذي أحرز حتى نهاية العام وإعطاء التوجيهات بشأن الخطوات المقبلة، وذلك من خلال الاجتماع الذي من المقرر أن يتم بين وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي وزملائهم من بلدان الشراكة الشرقية الستة.إن الشراكة الشرقية تدور حول تكامل الاتحاد الأوروبي، واقتراب البلدان الستة من قيم الاتحاد الأوروبي وتشريعاته وأساليب عمله، وتمكين الاتحاد الأوروبي من دعم ومساعدة هذا التقارب. في روسيا هناك تصور يتعزز في بعض الأحيان ويوحي بأن هذه الشراكة موجهة ضدها. ولكن هذا غير صحيح بطبيعة الحال. بل إن الأمر على العكس من ذلك، إذ أن روسيا، شأنها في ذلك شأن تركيا، سوف تكون موضع ترحيب إذا رغبت في المشاركة في الأنشطة التي تناسبها في إطار الأبعاد المتعددة الأطراف لهذه الشراكة.
إن الشراكة الشرقية ليست الحل لكل المشاكل والصعوبات التي تواجهها البلدان الستة. إلا أنها رغم ذلك تمثل التزاماً واضحاً من جانب الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي لهذه البلدان لإعانتها على عملية الانتقال والإصلاح - وهي العملية التي لابد وأن تجلب الازدهار والاستقرار للمنطقة بأسرها.
كارل بيلت وزير خارجية السويد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»