هل تغيب مراكز التفكير في جامعاتنا؟
الإجابة نعم..
وهذا سؤال محوري ينبغي أن تتصدى له الجامعات في إطار سعيها نحو خدمة المجتمع ومؤسسات الدولة.. فالجامعات حققت الكثير ...
... من الإنجازات خلال السنوات الماضية على مختلف الصعد التدريسية والبحثية والتنظيمية، ولكنها ربما لا تزال تحت المستوى المطلوب فيما يتعلق بتأسيس مراكز تفكير إستراتيجية ذات قوة كبيرة في إدارة التفكير المجتمعي، بما يمثله من استشراف مستقبل المجتمع والتخطيط لمؤسساته وبناء رؤية بعيده نحو قضاياه وموضوعاته.
مراكز التفكير في العالم تلعب دورا حيويا في بناء السياسات وتركيز التوجهات ودراسة الخيارات الإستراتيجية أمام المجتمع. وفي العالم تزيد عدد مراكز التفكير والدراسات الإستراتيجية عن أربعة آلاف، نصفها توجد في الولايات المتحدة الأمريكية، ونصف هذه المراكز الأمريكية تقريبا ترتبط بالجامعات الأمريكية الكبرى.. ويغيب عن العالم العربي مراكز إستراتيجية ذات نفوذ كبير على السياسات العامة، عدا من بعض المراكز المهمة في جمهورية مصر العربية ولبنان والإمارات العربية المتحده.. وفي الإجمالي قد لا تزيد في مجمل العالم العربي عن ثلاثين مركزا، معظمها ذات محدودية في التوجهات والإمكانات.
والمملكة العربية السعودية بحجم نفوذها وعظم إمكانياتها لم تتهيأ لها فرصة وجود مراكز إستراتيجية كبيرة ذات نفوذ سياسي واجتماعي مؤثر.. ويأتي في مقدمة أسباب هذا الضعف الذي نعاني منه هو عدم اهتمام الجامعات السعودية بتأسيس مثل هذه المراكز.. وكنت قد كتبت قبل سنوات عن حاجتنا كمجتمع سعودي إلى وجود مراكز إستراتيجية يوازي عملها مراكز التفكير والدراسات الإستراتيجية في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتظهر قوة هذه المراكز في مسألتين مهمتين، هما:
* تزويد أصحاب القرار بالمعلومات والتحليلات الخاصة بموضوع أو قضية قائمة أو موضوع أو قضية يجب متابعتها أو موضوع أو قضية يمكن أن تكون لها أبعاد مستقبلية.
* تقدم هذه المراكز الإستراتيجية خدماتها إلى وسائل الإعلام من معلومات وتحليلات لأبحاثها ودراساتها وتقاريرها.. وهنا يتم إبراز رؤية المجتمع ومؤسساته إلى العالم، عبر وسائل الإعلام.
هذا ما يحدث في كثير من دول العالم، ولكنه لا يحدث بالنسبة لنا في مجتمعنا نتيجة غياب مراكز تفكير تقود المجتمع إلى المستقبل. وكنت قد عرضت قبل سنوات أن هناك قصورا كبيرا نواجهه في هذا الخصوص نتيجة غياب مراكز دراسات سعودية، تقوم بأدوار سياسية ومجتمعية، من ذلك:
1 - الرأي الذي يأتي تحليلاً أو تعليقاً أو شرحاً أو قضايا أو موضوعات يأتي من خلال جهود فردية بحتة.. وليست مدعومة بقوة المعلومة أو عمق الطرح.. ولهذا نأتي نحن في مجتمعنا مهلهلين في الظهور في وسائل الإعلام.
2 - اللامركزية في اتخاذ القرار، أي أننا بحاجة إلى تبني رؤى متعددة ومفتوحة لمناقشة القضايا العامة، ومن المفترض أن تكون مثل هذه المراكز داخل بيئة تهيئ فكرة الطرح العام.
3 - تأسيس قناعات في الدولة والمجتمع بأهمية مثل هذه المراكز، حتى يمكن أن تجد طريقها وتشق سبيلها في المجتمع.. ومثل هذه القناعات تعطي فرصة لدعم مباشر أو غير مباشر من قبل المؤسسات الرسمية والخاصة في المجتمع السعودي.
4 - ينبغي أن تعمل مثل هذه المراكز على التأثير على مجالين حيويين هما الرأي العام والقرار العام.. فالرأي العام يتأثر كثيراً من خلال وسائل الإعلام التي تعد أداة رئيسة من أدوات نشر الفكر البحثي.. أما القرار العام، فينبغي تقديم خيارات مدروسة لتهيئة القرار العام بشكل يخدم مصلحة المجتمع والدولة.
الجامعات السعودية مرشحة لأن تكون هي البيئة المناسبة لاحتضان مراكز دراسات إستراتيجية في مختلف التخصصات، أو مراكز عامة؛ نظرا لأن الجامعة هي بيت خبرة كبيرة، يجب استثماره في دعم هذا التوجه نحو تأسيس مراكز كبيرة ذات نفوذ وطني واقليمي ودولي. فوجود تخصصات متعددة في الجامعات مثل الإعلام والسياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية والقانون والإدارة وغيرها تشكل بنية أساسية من الكوادر والخبرات التي يتشكل منها أي مركز من المراكز الإستراتيجية. وجامعاتنا تحتضن أفضل الخبرات المتخصصة في هذه المجالات على مستوى الوطن العربي، فهم خريجوا أفضل الجامعات العالمية في هذه التخصصات.
أتمنى أن يتحقق قريبا تأسيس مركز أو أكثر من المراكز البحثية ذات الامكانات الواسعة، وتلعب دورها المحوري في المجتمع والسياسة الدولية، وربما يكون من المفيد أن يتم التنسيق في مجالات هذه المراكز بين الجامعات لو تم تأسيس أكثر من مركز في جامعاتنا. أو ينشأ في الجامعة الواحدة أكثر من مركز يتناول مجالا أو موضوعا تخصصيا.. وهذا ما نتمنى أن نراه قريبا..
(*) المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية،
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa