من يتأمل الإنسان في جوهره بالاعتماد على معطيات المظهر، سينتهي إلى حكم يظن معه بعجز هذا الإنسان ومحدودية كل مكوّن له، قياساً بسعة الكون ومجاهيله، ولكنه سيكتشف أنّ حكمه ظن تجاوز الحقيقة، فهو من التصور أقرب حين اعتمد على الحجم والظاهر من التفاصيل.
إنّ هذا الكون الواسع من حول الإنسان حاشية لكونه الذاتي، فالإنسان بتفاصيله مركّب معقّد وتحيط به ألغاز منها ما نعرف والكثير لا نعرف عنه شيئاً، إنّ أعماقه السحيقة تختزن التاريخ الكوني وهو من الإنسان ذاكرة لكلِّ ما احتوى ومن الإشارة ما هو دلالة بجانب المعنى في التكريم، حيث أمر الحق سبحانه الملائكة بالسجود له كما علّمه الأسماء كلها وعرضت عليه الأمانة فقبلها، وقد أبتها وأشفقت منها السموات والأرض، كما تحمّل مسؤولية الخلافة وعمار الأرض، إنه ذو سلطان على الكون، فلقد حاول ويحاول التعامل مع المجهول الذي توجّه خياله ناحيته، فأتى بنتائج عنه أزاحت بعضاً من غموض، ولا زال في سعي حثيث مع مفاجآت كونية كثيرة، فلنتأمل من الآيات القرآنية كل إشارة ورمز وهو دلالة، قد تجاوب معها الإنسان بروح العابد المستنير بمنهج القرآن الكريم، فقد قال عز جلاله: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء) - سورة فاطر الآية: 1 -، (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) - سورة النحل الآية: 8 -، (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ....) - سورة فصلت الآية: 53 -، والإنسان بكونه الأكبر والذاتي والمتداخلة قواه لها أثر نجده فيما حولنا من وسائل حقق بها الإنسان غلبه على مجالات تداعت من أمامه وتجسّد الأمر في إنجازات لعصره، كما أنها تمهد لأكثر منها مع قادم الأيام، إنّ مخزون الإنسان من القوى الخفية في الكون الذاتي لديه تفاجئ كل ما حولها بتميز الحلول التي أدت إلى القدرة على التعامل مع طلاسم الكون من حوله، فجعل منها إما وسيلة لمعاشه أو أنه تمهيد لحل تستفيد منه الأجيال من بعده.
لقد استخدم في وسائل تنقله وحروبه الحمير والبغال ووعد الحق سبحانه بخلق ما لا يعلمون، واليوم نحن في سباق هزم أبعد المسافات، فالسيارة والطائرة وغير ذلك مما تحقق في مجال المواصلات والاتصالات، ووعد الحق سبحانه وتعالى يدوم بخلق الكثير كما يشاء ولعله السبب فإن الوسيلة في هذا كون الإنسان الذاتي وما تحقق له من السيطرة بالعلم على كل مجهول.
قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} - سورة الرحمن الآية: 33 -.
وفي مجالات أخرى كالصحة والمرض، أبعاد ما تم من إنجاز تلاحق الأسباب لتحولها إلى أسباب تخدم الإنسان، والملاحظ أنّ جهد كل جيل لا يقف به عند إنجاز معيّن أو ما قد تحقق، بل في جوهره الحل لعلة ستفرض نفسها على جيل قادم.
إنّ هذا الكون الكبير وكما أشار موضوع هذا المقال بأنه حاشية لكون الإنسان الذاتي بدلالة النتيجة والجهد ونفاذ الخيال الإنساني ليحوّل الأشياء من حوله من عالم المجهول إلى معلوم يمكن السيطرة عليه، ومن ذلك أمور في الكون من حول الإنسان تلامس حاجته فتلامس خياله ليكون قادراً أن يصيب منها الكثير ليفسره ويخطط له ليكون مسخراً لصالحه، فلقد راود الإنسان خاطر حول المريخ وقبله كواكب أخرى، ولا زال السباق مع المحاولة بالنجاح أو الفشل بجهد دؤوب، وللإنسان موعد مع هذا كله وغيره حيث يحقق الانتصار.
إنّ الإنسان بهذه القدرات وما تحقق وسيتحقق بعون الله، أخ للإنسان في مشرق الأرض ومغربها وكل ناحية منها، وهذا حافز يدفع بالسؤال عن مدى القدرة على التفكير الواعي لينتشر كمنهج يحاول به الجميع ومن كونهم الذاتي بانطلاق بعض مما فيه، حتى لا يكون إنسان هذا العصر من يقال عنه إنه في عصر متأخر وآخر في عصر متقدم (العالم الثالث وما عداه).
إنّ هذا ممكن متى أنصف القوي من نفسه وخط منهاجاً لتنفيذه، فعلى الرغم من كل تفوق فرض نفسه تداعت معه الطلاسم والمجاهيل، ومع ذلك لا زال من الناس من يعاني الجوع والمرض والجهل، وفي هذا إحباط لكل تفوق تحقق أو سيتحقق، فالطعنات تضرب بنواصيها الضمير الإنساني حتى وإن تفوّق في كونه الذاتي فعسى أن يدرك الجميع أن لا كرم يضاهي الموجود من الكرم الرباني فسبحان من شاء وقدر .. وبعزته .. فالتوفيق منه وإليه المصير.
x2y@mail.com2