قبل أيام قلائل فقدت الساحة الإعلامية والرياضية أحد رجالاتها الكبار ممن خدموا مسيرة العمل الصحفي بالمملكة سنوات طويلة.. إنه الإعلامي المخضرم والصديق الوفي (محمد الجحلان) الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية إثر مرض عضال عانى منه الفقيد خلال الموسمين الأخيرين ولازم بسببه سرير المرض وهو صابر محتسب متجشم عناء التعب والنصب.. كما هو حال المؤمنين الصابرين على مرارة المرض ووجع الجسد.
* عرفته قبل أربعة عقود زمنية من خلال مشواري الرياضي كحارس دولي مثَّل نادي الشباب في حقبة التسعينيات الهجرية من القرن الفائت وتأصلت وترسَّخت هذه العلاقة من خلال زياراته المتكررة للنادي آنذاك كصحفي رياضي كان شاباً يافعاً يتمتع بالحس المهني والثقافة العامة والاطلاع الواسع فضلاً عن سلوكه الرفيع وحسن خلقه الذي أكسبه علاقات اجتماعية واسعة في الوسط الرياضي تحديداً قبل أن يتدرج في سلم الإعلام حتى وصل إلى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة الرياض بكل مهنية واستحقاق إذ لم يصل لهذه المكانة العالية من فراغ أو من باب المحسوبية والمطبوعة العريقة التي يقودها رجل بحجم رائد الإعلام السعودي الأستاذ (تركي العبد الله السديري) إنما جاء تتويجاً لمسيرته الإعلامية الناجحة وتجسيداً لنشاطه الصحفي منذ أن كانت بدايته محرراً في القسم الرياضي.. ثم رئيساً للقسم قبل تنقله في أقسام الجريدة المختلفة المحلية والسياسية فأكسبته هذه التجارب المهنية خبرة كبيرة في المجال الصحفي.. ومن الجوانب التي تكشف قدرته الإعلامية على تصور الأشياء كما هي ومستواه المهني من الفكر والرصانة والطرح.. أتذكر في لقاء جمع الشباب بشقيقه الهلال عام 1392 ضمن لقاءات الدوري حيث كان يتعيَّن على الهلال الفوز بخمسة أهداف.. وظهرت إشاعات من بعض اللاعبين والإداريين المنافسين أنني سأسهل المهمة مقابل مبلغ مالي قدره (5000 ريال) وحينما تصاعدت حدة الإشاعات أبعدت عن المباراة وحل زميلي الحارس البديل.. وسجل الهلال خمسة أهداف وأنا أتفرج في المدرجات.. وبعد المباراة الشهيرة نقلت (جريدة الرياض) الصورة الحقيقية للمسؤولين بحديث أجريته مع الزميل محمد الجحلان - رحمه الله - وكان رئيساً للقسم الرياضي آنذاك وكشف الأخ (محمد) كل التفاصيل عن الحادثة، وبالتالي استدعاني الأمير الراحل فيصل بن فهد -رحمه الله- بعد ان قرأ الحديث وكشفت له كل التفاصيل والمتسبب في ذلك وتمَّ إيقاف اللاعبين الخمسة الذين أشاعوا استلامي للمبلغ ورد اعتباري.. وهذا تأكيد على أمانة ونزاهة وسلوك الإعلامي النقي محمد الجحلان وقدرته البارعة على إيصال المعلومة للمسؤولين والمجتمع الرياضي بكل مهنية.
* كانت شخصيته متعددة الجوانب.. ولعل ما كان يتميز به الإعلامي الراحل حرصه على التواصل الاجتماعي ودماثة خلقه وتواضعه وحبه للجميع.. كان قلبه مفتوحاً لكل من عرفه وتعامل معه عن كثب لأنه كان يقول دائماً أن رصيده الحقيقي في بنك العلاقات العامة هو محبة الناس ومعرفتهم.. هكذا كان - الجحلان - النقي بسلوكه وأدبه وشفافيته.. وبالتالي فرض احترامه على الجميع لأنه بكل اختصار صادق مع نفسه أولاً ثم الآخرين.
* إن رحيل القامات الإعلامية العملاقة والنماذج المهنية الكبيرة مثل الفقيد (محمد الجحلان) ومن هم على شاكلته عن هذه الدنيا الفانية لا شك يمثل خسارة عظيمة تفقدها ساحة الوطن الإعلامية لأنهم يمثلون مدارس صحفية مستقلة بحسهم الإعلامي وثقافتهم الرصينة.. نهل الكثير من فصولها الإبداعية.. أسس وأصول ومكونات العمل الصحفي.. وتخرَّج من تحت يديه العديد من الكفاءات الإعلامية التي أشرف عليها واكتسبوا القواعد المهنية المطلوبة في المضمار الصحفي.
* رحم الله الصديق العزيز الإنسان (محمد الجحلان) الذي رحل بصمت وهدوء عن دنيانا.. وترك لنا سيرة نيّرة وسمعة طيبة ستظل عالقة في الأذهان والوجدان.. والعزاء موصول لوالدة وأشقاء وأبناء وبنات الفقيد.. سائلاً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
حارس دولي بنادي الشباب - سابقاً