يُحكى أن رجلاً كانت بلاده على وشك الدخول في حرب نووية لا تُبقي ولا تذر حال اندلاعها، وكان قد أعد ملجأ تحت الأرض تحسُّباً لوقوع الحرب.. وبينما هو يتناول الإفطار مع أسرته ذات صباح.. إذا به يسمع أصوات صواريخ وهدير طائرات، فقام من فوره وجمع أسرته وانطلقوا جميعهم للقبو الذي قد جُهز بكل التموين اللازم.. وقد أمضوا في القبو تسعة أشهر ظناً منهم أن الحرب لم تزل قائمة، ثم اكتشفوا أن تلك الأصوات التي سمعها كانت مجرد مناورة عسكرية!!
* وحكى لي أحدهم قائلاً: زاملت رجلاً ثلاث سنوات وكنت أظنه متكبّراً متغطرساً، وكنت أعامله وفقاً لهذا، وبعد قليل من الاقتراب منه عرفت أنه من أكثر الناس تواضعاً وأبعد ما يكون عن الكِبر والغرور.
* كثر غياب أحد موظفيه.. انزعج المدير وبلغ الغضب به مداه، وقرر نقل الموظف والخصم عليه، ثم اتضح أنه كان مرافقاً لطفله في المستشفى والمصاب بسرطان الدم.
* اتصل يوماً بزوجته وقد دار بينهما نقاش حول أمر ما.. وفجأة انقطع الاتصال فاعتقد أنها أقفلت الخط في وجهه.. وقد جنَّ جنون الزوج وانطلق مزبداً مرعداً قد أضمر الشر لها، وعندما وصل إلى المنزل
أسمعها من سيئ الكلام وبذيء الشتم الكثير.. ثم اتضح أن الجوال قد انتهى شحنه أثناء المكالمة!!
* يقول تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
* كل شيء تمَّ اختراعه، تمَّ اختراعه بالفعل (قيلت عام 1899 من متخصص في براءات الاختراع).
وقفة تأمُّل
تأمَّل أخي القارئ فيما سبق ماذا تلاحظ؟
وما هو القاسم المشترك بين القصص والمواقف والمشاهد السابقة؟
نعم هي قناعات ترسَّخت ومفاهيم استوطنت اكتشف أخيراً عدم صحتها!
يقرر علماء النفس أن المؤثر الأكبر على حياتنا سعادة وشقاء.. والعامل الأهم في علاقاتنا مع الآخرين حباً وكرهاً اقتراباً وبُعداً هو طبيعة الصورة الذهنية أو المنظور أو الطريقة التي نرى بها الأشياء والناس فيمن حولنا، وهو ما يُسمى بالباردايم وهي كلمة ذات جذور يونانية تُعبّر عن مصطلح علمي يعني المفاهيم والصور ذهنية حول الأشياء والأشخاص.. يعني المنظور أو الصور الذهنية أو الطريقة التي نختارها لرؤية العالم.. وعليه يعتمد طبيعة سلوكنا جمالاً وقبحاً، فالزاوية التي تختارها للنظر للعالم من حولك هي التي تصنع ذلك العالم وطبيعة علاقتك به ونوعية تصرفاتك تجاهه..إن المتأمل في معظم الأزمات والمشاكل الطارئة على صعيد العلاقات أو على الصعيد الشخصي كانت هي تواجد (باردايم مشوش) أو نموذج منحرف قد غيَّب الحقيقة!
ولتقريب الصورة تخيَّلوا أن شخصاً يشكو من ضعف نظر ووصف له الطبيب عدسات لا تناسبه.. ألا ترون كيف ستؤثر تلك العدسات على رؤيته للأشياء! وهذا ينسحب أيضاً على الأشخاص المصابين بعمى الألوان فهم يرون الألوان على غير حقيقتها!
ونظيره على صعيد الأفكار ما يُسمى بمفهوم (الخريطة ليست الواقع) الذي أطلقه العالم البولندي الفرد كورزبسكي (The Map Is Not The Territory).. فخريطة باريس على الورق لا تتجاوز كونها شرحاً مبسطاً وإضاءة صغيرة لبعض ملامح المدينة لا أكثر!.. وعلى الصعيد الشخصي تعني أن الإنسان حينما يصف الأشياء لا يصفها على حقيقتها، إنما هو يصف مكوناته النفسية وما استقر من خبرات قديمة وبرامج نفسية ثابتة حيث ينظر للأمور بنظارته (العقلية) الخاصة به!!
ما أحوجنا جميعاً إلى مراجعة مفاهيمنا ومسلّماتنا وقناعتنا (السلبية) تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين وتجاه الأشياء وعلينا أن نخوض معركة ما يُسمى ب (تحول النموذج) وهو لا شك أمر صعب جداً ولكنه يستحق العناء وبذل الجهد ولكن النتيجة تستحق.. ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر.. فالثمرة هي تحول خطير في حياتنا سيجعلنا نعيش في حالة سلام جميلة مع أنفسنا والآخرين ومع الحياة بأسرها.
ومضة قلم
إن رحلة الاكتشاف الحقيقية لا تكمن في الوصول إلى أراضٍ جديدة، بل هي في الحصول على عيون جديدة.
تنويه
الإخوة والأخوات الكرام أستاذنكم بوقفة قصيرة بعد رحلة طويلة من الركض الفكري لشيء من الراحة واسترداد الأنفاس وسترافقكم الزاوية وسيُنشر فيها مقالات مما كتبت وستبقى الصفحة حاضرة بتنوعها وجميل مواضيعها بين أيديكم طوال الفترة.
***
khalids225@hotmail.com