الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
|
في كتابه الأخير (ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه).. أثار الأستاذ الدكتور محمود فجال جدلاً كبيراً بين اللغويين والمهتمين بعلوم النحو واللغة، فقد كشف عن عدم صحة الكثير من الأقوال التي كانت شبه مسلمات عند بعض النحاة، بل ولدى الكثيرين من المهتمين بعلم النحو، حول الاستشهاد بالأحاديث النبوية لدى النحويين.. وفي هذا الحوار يوضح د. فجال أسباب الجدال الذي أثير حول كتابه...
|
* ما الذي دعاك إلى التأليف في قضية الاستشهاد بالحديث النبوي عند النحاة؟
|
- الذي دعاني هو إحقاق الحقِّ، وإنارة الطريق للسراة السالكين، واستمع لما أقوله لك:
|
إنني بدأت طلب العلم بقراءة الحديث النبوي وعلومه، وعلم الفقه وأصوله على الشيوخ ذوي العلم الغزير، فأيقنت بمكانة الحديث النبوي في التشريع الإسلامي وأثره في الفقه منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى عصور الأئمة المجتهدين، ورأيت أن القرآن والحديث لهما الأثر الكبير في اتساع دائرة الفقه بأبوابه المختلفة ومذاهبه المتنوعة. وبهرني عنايةُ رواة الحديث في نقدهم الأسانيد والمتون ودقّتُهم وتحريهم، كما أُعجبت بجهود الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة، فجاؤوا بنتائج عجيبة تخدم البشرية في جميع مرافق حياتهم، ومختلف عصورهم، وعملُهم هذا فيه توثيق لعُرى الإسلام، وتثبيت لأركانه.
|
وفوجئت بمهاجمة السنة، والتشكيك في حجيّتها عن طريق الطَّعن برُواتها من الصحابة والتابعين. وعلى هذا الغرض التقى أعداءُ السُّنة من أمثال (محمود أبو ريّة) في كتابه (أضواء على السنّة المحمّديّة)، مع أعداء الإسلام من المستشرقين في الحضارة الغربية لهدم كلِّ ما يتصل بالحديث والأثر والفقه. من أمثال المستشرق أغناس غولدتسيهر (Goldziher) سنة 1890م، الذي شكك في صحّة الأحاديث، وجاء بعده المستشرق البروفيسور جوزيف شاخت (Joseph Schacht) الذي وصل في بحثه إلى أنّه ليس هناك حديث واحدٌ صحيح. وتبعهما المستشرق الإنجليزي البروفيسور (جب). وهؤلاء وغيرهم قاموا بأخطر دور في تاريخ البحث العلمي فيما يتعلّق بالحديث النبوي وما يتصل به.
|
وبعد ما توسّعتُ في علم النحو وتخصّصت فيه لاحظتُ أمراً غريباً وهو أن النحويين يستشهدون بالقرآن الكريم، ويكثرون من الشواهد الشعرية، ولفت نظري قلّةُ شواهدهم من السنة النبوية.
|
وحينما درستُ نشأة النحو، وتاريخَه وأصولَه وجدتُ عبارات يرددونها مثل : تَرَكَ أئمةُ العربية الاحتجاج بالحديث، ومثل: النحويون المتقدمون لم يستشهدوا بالحديث سواء في ذلك البصريون والكوفيون.
|
ووقفتُ على تصريح الإمام (ابن الضائع) (المتوفى سنة 680هـ) وتلميذه الإمام (أبي حيان) (المتوفى سنة 745 هـ) بأنّ نحاة البصرة والكوفة لم يستدلوا بالحديث على إثبات القواعد الكلية.
|
وأمّا الإمام (الشاطبي) (المتوفى سنة 790هـ) الذي يستشهد بالحديث الثابت المروي باللفظ فقد قال: (لم نجد أحداً من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم، وأشعارهم التي فيها الفحش والخنا، ويتركون الأحاديث الصحيحة..).
|
هؤلاء الأئمة الثلاثة هم أبرز من تكلَّم في قضية الاحتجاج بالحديث الشريف في ميدان النحو، ووجدت لفيفاً من المُحْدَثين من الأساتذة استقرّ في أذهانهم عدمُ الاحتجاج بالحديث في النحو العربي. فَشَمَّرْتُ عن ساعد الجدّ والبحث للتنقيب عن هذه الفكرة وخوض غمارها لَعَلِّي أصدر بنتائج علمية صحيحة تزيل الشكوك في هذه القضية فتناولتُ أبرزَ شروح الألفية الستة لمؤلفيها: ابن الناظم، وابن أم قاسم، وابن هشام، وابن عقيل، والشاطبي، والأشموني، وعثرت فيها على أكثر من مئة وعشرة أحاديث، فدرست ظاهرة الاستشهاد بالحديث، ودرست هذه الأحاديث دراسة علمية وافية في كتاب أسميته (الحديث النبوي في النحو العربي) وقد نال القبول عند العلماء (والحمد لله). ثم بعد ذلك أخذتُ (شرحَ الكافية) للرضي، فعثرت فيه على أكثر من ستة وسبعين حديثاً، فقمتُ بدَحْض شبهات مانعي الاحتجاج بالحديث لقواعد النحو، ودرستُ هذه الأحاديثَ دراسةً مستفيضة في كتاب أسميته (السير الحديث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو العربي) ونال هذا الكتاب القبول عند العلماء الأفذاذ أيضاً (والحمد لله).
|
ثم عرَّجتُ على (كتاب سيبويه) فوقع نظري على أمثلة واردة في كتب السنة النبوية من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام أصحابه رضي الله عنهم ولكنَّ سيبويه ذكرها من دون أن يعزوَها، فعجبتُ من صنيعه فبحثتُ عن السبب فعرفتُ أنّه الورع الذي يَتَحَلَّى به سيبويه؛ خشيةَ أن يكون ما يحكيه مرويّاً بالمعنى، فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من كَذَبَ عليّ متعمّداً...) الحديثَ. وربما يقال له: أخطأتَ يا سيبويه. فكان أحياناً يعزوه للعرب - وهو صادق- إذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سيّدُ العرب وعلى رأسهم في الفصاحة والبلاغة، وأحياناً يقول: قال، ثم يذكر المثال.
|
كما عرفتُ من منهج سيبويه أنه لم ينسب الشعر إلى قائله، وأن ما نجده من نسبة إنما هو من صنيع الإمام (الجرميّ) وشُرَّاح كتابه، وسبب ذلك يعود إلى أمانة سيبويه وكونه ثقةً، فقد كَرهَ أن ينسب الشعرَ لما رآه من اختلاف الرواة في نسبة البيت إلى أكثر من شاعر. وقد بلغ عددُ ما وقفت عليه أكثر من مئة وثلاثين ما بين حديث وأثر، من كلمة ذات دلالة، أو كلمتين أو جملة.
|
فقمتُ بعمل دراسة لحياة سيبويه العلمية، ولمنهجه في كتابه، ودرست ما وافق من أمثلته ما ورد في كتب السنة النبوية في كتاب أسميته: (ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه).
|
وبعد البحث الدقيق، والمناقشات الجادّة في مؤلّفاتي الثلاثة، انكشف لي بوضوح أنّه لا يوجد في القدامى مَنْ رفضَ الاحتجاج بالحديث في علمَي النحو والصرف، كما أنّهم لم يثيروا هذه المسألة البتة، ونحن نتحدّى أن يكون لسيبويه والخليل والمبرِّد، ومن كان في طبقتهم قولٌ في ذلك، من قريب أو بعيد، بعبارة أو إشارة، بتصريح أو تلويح، بل لم ينطقوا بِبِنتِ شَفَة، ولم يأثموا في الخوض في منع الاستشهاد بالحديث. أمّا التقسيم الذي قسمه العلماء إلى ثلاثة اتجاهات:
|
الاتجاه الأوّل: الاستشهاد بالحديث في النحو مطلقًا.
|
الاتجاه الثاني: المنع من الاستشهاد مطلقًا.
|
الاتجاه الثالث: التوسُّط بين الاتجاهين.
|
فهذا التقسيم كان أخيراً بسبب ما أثاره (ابنُ الضائع) و(أبو حيّان). وقد ناقشتُ ذلك، ودحضتُ شبههما التي تعلّقا بها بما فيه الكفاية. كما ظهر لكلِّ ذي عَينين أنّ الذين احتجُّوا بالحديث الشريف بكثرة في مسائل النحو والصرف هم من أئمته، أو من المطّلعين عليه، والمشتغلين به.
|
وأمّا الذين لم يحتجّوا به بكثرة، فليس لهم نصيبٌ في هذا الشأن، وليسوا من أرباب هذا الفن، وبضاعتهم فيه قليلة.
|
أمّا ادّعاء عدم احتجاج سيبويه والنحاة من بعده بالحديث والأثر فهذا غير وارد. وإنكار وجود السنّة في كتاب سيبويه كإنكار وجود الشمس الساطعة في وسط النهار. وهذا كما قال المتنبي:
|
وليس يصحُّ في الأفهام شيءٌ |
إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل |
وأمّا الشُّبه التي أثاروها فهي شُبَهٌ واهية مبنيّةٌ على جهل تامّ بكتب السنّة النبوية، وأسلوب المحدثين في نقل التراث.
|
وأنا أقرر ما قاله الثِّقات: إنَّ كلامَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابِه رضي الله عنهم ثروةٌ من الكلام العربي، ورصيد ضخم، ومعجم لا يضاهيه معجم عُنيَ به أجدادنا العلماء عناية فائقة فمن الواجب علينا أن نلقِّن أبناءنا في قاعات الدرس النحوي مرتكزين على المادة التي تلقّاها الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحببهم فيها؛ ليتعلّقوا بأمثلتها وشواهدها.
|
والمحروم حقًّا من كان هذا الخير بين يديه، ونفسُه لا تطاوعه أن ينهل من معينه العذب الزلال.
|
* ذكرتَ أنّ الحديثَ النبوي أصلٌ من أصول النحو، فما هي الأصول التي اعتمد عليها النحاة في تقعيد القواعد؟
|
- كانت العرب تتكلَّم على سجيّتها وطباعها، لا تتعثّر ألسنتها في خطأ، ولا يشوبُ صفوَ كلامها لحنٌ، وعَرَفَتْ مواقع كلامها، وقامت في عقولها علَلُه، وإن لم ينقل ذلك عنها، ولما انتشر الإسلام، ودخل الناسُ من عرب وعجم في دين الله أفواجاً، أخذ اللحنُ يدبّ إلى الألسنة؛ لاختلاط العرب بغيرهم، فهبَّ العلماءُ لدفع هذا اللحن، ولتقويم الألسنة، فكان لا بدّ من وضع قواعد الفكر النحوي لتَعْصمَ الألسنةَ من الزلل، وتُمكِّن غير العربيّ من التحدُّث بالفصحى.
|
وتعني كلمة (أصول النحو) أدلةَ النحو. وأصولُ النحو الغالبةُ ثلاثةٌ:
|
السماع، والإجماع، والقياس.
|
وكلٌّ من الإجماع والقياس لا بدَّ له من مستند من السماع.
|
الأصل الأول: السماع، والمقصود منه ما ثبت في كلام مَنْ يوثق بفصاحته.
|
|
1- القرآن الكريم متواتره وآحاده وشواذّه.
|
2- السنة. والمراد بها كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو (المرفوع)، وكلام أصحابه رضي الله عنهم وهو (الموقوف)، وكلام التابعين الذين لم تتغيّر ألسنتهم وهو (المقطوع)، قال الإمام عمر البيقوني:
|
وما أُضيفَ للنبي (المرفوعُ) |
و ما لتابع هو (المقطوعُ) |
وما أضفتَه إلى الأصحابِ منْ |
قول وفعل فهو (موقوفٌ) زُكنْ |
3- كلام العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمنه وبعدَه نظماً ونثراً عن مسلم وغير مسلم.
|
الأصل الثاني: الإجماع. والمقصودُ منه إجماعُ نحاة البَلَدين، يعني علماء البصرة والكوفة.
|
الأصل الثالث: القياس، وهو حَمْلُ غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه. وقد عُنيَ النحاة بالقياس منذ بدء الدرس النحوي، وهو معظم أدلة النحو، والمعوّل عليه في غالب مسائله، وللكسائيّ قصيدةٌ مطلعها:
|
إنّما النحوُ قياسٌ يُتَّبَعْ |
وبه في كلِّ أمر يُنْتَفَعْ |
إذن السنَّةُ هي أصلٌ أصيلٌ من أصول الاحتجاج؛ لأنّه لا يُتَصوّر نحوٌ بلا اعتماد على الحديث والأثر، بل لا يُقبل نحوٌ من دون اعتماد عليهما، وإلّا سيكون في النحو ثغرةٌ لا يسدّها إلا الحديث والأثر.
|
* قلتَ: إنّ سيبويه استشهد بالحديث والأثر في (الكتاب) فهل قال أحدٌ من النحاة الأوائل والمعاصرين: إن سيبويه استشهد بهما؟
|
|
لو ذهبنا نتصفَّحُ مصنفاتهم لوجدنا فريقاً كبيراً منهم ينقلون أمثلةً من كتاب سيبويه ويقيمون أحكاماً نحوية عليها ويُصَدِّرونها بقولٍ يفيد أنها حديث كقولهم : (وفي الحديث)، و(قوله صلى الله عليه وسلم) و(منه الحديث المرفوع)، و(قوله عليه الصلاة والسلام)، و(في الحديث من كلام أبي بكر)، و(من كلام عمر)، و(كما جاء في الخبر)، و(جاء الأثرُ).. إلخ.
|
من هؤلاء: الفراء، والزَّجّاج، والزَّجّاجي، والفارسي، وابن جني، وابن خروف، وابن عصفور، وأبو البركات الأنباري، والصيمري، وابن يعيش، وابن معط، والرضيّ، وابن مالك، وأبو حيان، وابن هشام، وابن عقيل، والسيوطي، والدماميني، والشيخ خالد الأزهري، والأشموني، وغيرهم فقد استشهد هؤلاء بأحاديث ذكرها سيبويه في كتابه.
|
وفي هذا دليل قاطع واعتراف بأنَّ النحويين الأوائل يُسَلِّمون بأنّ سيبويه استدلّ بالحديث النبوي وبكلام الصَّحْب في كتابه.
|
|
أ?- قال الأستاذ عثمان فكي في بحثه (الاستشهاد في النحو العربي) (57): عثرت على ثلاثة أحاديث في كتاب سيبويه، وعدّه أوّل من احتجّ بالحديث من النحاة.
|
ب- ذكر الأستاذ أحمد راتب النّفَّاخ في (فهرس شواهد سيبويه) (57-58) ستة أحاديث في كتاب سيبويه.
|
ج- د. محمود حسني محمود في بحثه (احتجاج النحويين بالحديث) أوصل ما استشهد به سيبويه من الأحاديث إلى اثني عشر حديثاً.
|
د- أفاد د. محمد ضاري حمادي في كتابه (الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية) (346) أن سيبويه استشهد ببعض الأحاديث، ولم يخرج عمن سبقه.
|
هـ- ذكر الأستاذ علي النجدي ناصف في كتابه (سيبويه إمام النحاة) (210) أن سيبويه استشهد بخمسة أحاديث في كتابه.
|
و- ذكر الأستاذ عبد السلام هارون في (فهارس الكتاب) (32) أن سيبويه استشهد بسبعة أحاديث.
|
ز- وقالت د. خديجة الحديثي في كتابها (موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث) (50): أما الفريق الثالث من النحاة المحتجين بالحديث فهو سيبويه.
|
ح- كتب د. السيد رزق الطويل مقالات في مجلة الأزهر الجزء (61) تحت عنوان (إمام النحاة وقضية الاستشهاد بالحديث) فقال: إن سيبويه استشهد في كتابه بعدد من الأحاديث تعدُّ على أصابع اليدين، أو تزيد قليلاً، وقد تنقص.
|
ط- أوصل د. إسماعيل فهمي عبدالله عدَّة ما استشهد به سيبويه في بحثه الموجز (الحديث النبوي في كتاب سيبويه) (لم يطبع) إلى ثلاثين حديثاً مستفيداً مما ذكره غيره من الباحثين.
|
* هل استشهد سيبويه بالحديث والأثر في كتابه المسمى ب(الكتاب)؟
|
- الإجابة عن هذا السؤال دقيقة جدّاً.
|
نعم سيبويه استشهد بالحديث والأثر في (الكتاب) ولكنه لم يعزُ حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أثراً إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
|
ولا نملك أن نقول: إن سيبويه لم يستشهد بالحديث والأثر؛ لأن الأمانة العلمية تملي علينا أن نتحلَّى بالدِّقة التامّة في تحليلنا للنصوص وفهمها، وفي حكمنا ب(نعم) أو (لا).
|
لقد وقفتُ في كتاب سيبويه على أحاديثَ ثابتة، وعبارات موجودة في كتب السنة النبوية. والقولُ بأن سيبويه لم يستشهد بالحديث قولٌ متهافتٌ يتهاوى أمام قوّةِ الحقيقة ووضوحها. أليس كتابُ سيبويه متخصصاً في إيراد كلام العرب؟ إذن لا يستطيع إمامُ النُّحاة أن يتركَ كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم وكلام صحبه مادام يتكلّم في علم العربية؛ لأنهما من أوثق كلام العرب؛ لأن الحديث يفرض نفسه على إمام النحاة، وعلى علماء العربية قاطبة؛ لأنهم بحاجة إليه، وليس هو بحاجة إليهم.
|
قال الإمام (أبو العباس ثعلب): (السنَّةُ تقضي على اللغة، واللُّغة لا تقضي على السنَّة) والسنّة تشمل الأحاديث النبوية والآثار.
|
وقال الإمام (ابن جني): (ألا ترى إلى ما في القرآن وفصيح الكلام من كثرة الحذوف).
|
وقال (الزمخشري) في (المفصّل) في (باب الإدغام) حينما قال عن الحروف الستة الزائدة عن التسعة والعشرين حرفاً: (ستة مأخوذ بها في القرآن وكلِّ كلام فصيح).
|
فكلام الإمامين (وكلّ كلام فصيح) شمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام أصحابه، ونثر العرب وشعرهم المحتج به.
|
وما دام كتابُ سيبويه موئلَ النحاة ومرجعَهم، وقد ضمّنه ضوابطَ لغة العرب، وقد خامر الحديثُ النبوي لُبَّ سيبويه إذ كان الحديثُ النبويُّ أوّلَ مبتغاه في بدء طلبه للعلم فلا ينازعني شكٌّ أنّه قد جعل الحديث النبويّ والأثر أحدَ أدلته، وإن لم يصرّح بذلك؛ لأنني عثرتُ على أمثلة كثيرة، وألفاظ وافرة واردة في كتب السنة منثورة في شواهد كتاب سيبويه وأمثلته. أذكر منها ثلاثة أمثلة من أمثلته الكثيرة:
|
1- قال في (الكتاب) (3 : 236) في مبحث الصفة: (كما قال: لا يدخلُ الجنةَ إلا نفسٌ مسلمةٌ) اهـ.
|
هذا لم يعزُه سيبويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في (صحيح البخاري) (378) و(جامع الترمذي) (871) وقد نصَّ الإمامُ الزَّجاجُ على أنّه حديث.
|
2- قال في (الكتاب) (1 : 73) في مبحث التنازع: (ومثل ذلك: ونخلع ونترك من يفجُرُك) اهـ.
|
هذا لم ينسبه سيبويه إلى (عمر) رضي الله عنه وهو في (المصنف) لابن أبي شيبة (4 : 518) من دعاء عمر، رضي الله عنه.
|
وقد نصَّ الإمام أبو البركات الأنباري على أنه حديث.
|
3- قال في (الكتاب) (3 : 268) في مبحث الحكاية: (كما قال: إن الله ينهاكم عن قيل وقال) اهـ.
|
هذا لم يرفعه سيبويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً وهو في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد، ومسند الشهاب (1088). وقد نصّ الفراء، وأبو البركات، وابن عصفور، وابن يعيش وابن مالك والسيوطي وغيرهم في كتبهم النحوية على أنّه حديثٌ، فهؤلاء النحاة هم الذين أثبتوا الحديث وهم ينقلونه عن سيبويه.
|
والأمثلة على ذلك كثيرة ذكرتُها في كتابي (ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه) فارجع إليه.
|
أمّا الأقوال التي نَسبت إلى (الكتاب) ومؤلّفه البعد من الحديث، والنفور من اعتماده فهي أقوال متهافتة تتهاوى أمام قوة الحقيقة ووضوحها. كما أفاد د. محمد ضاري حمادي في كتابه (الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية) (346).
|
|