حاوره - نايف بن سعد الفيصل:
الإجازة الصيفية فرصة للترويح عن النفس، واستجمام القلب، والراحة من عناء العمل، فتكثر الأسفار ويكثر الخروج إلى المتنزهات، والأسواق وغيرها، وهذا شيء مشروع خلافاً لما يعتقد بعض الناس من أن دين الإسلام دين عنف وغلظة ولا مكان فيه للترويح عن النفس وإمتاعها.. من أجل ذلك التقينا بالشيخ محمد بن سرّار اليامي ليعطينا بعض التوجيهات والفوائد والأحكام المتعلقة بالإجازات وما يحدث فيها من أسفار وخروج للمتنزهات.
دين السماحة
في البداية نسأل فضيلة الشيخ عمن يقول: (الإسلام دين عنف وشدة وغلظة).. فما تعليق فضيلتكم وما سبل تغيير هذه النظرة غير الواقعية عن الإسلام؟
هذه نظرة قاصرة من قليلي العلم، وممن تأثر بالإعلام الغربي الذي يغذي الفصل بين الحاكم والمحكوم، ليولد فجوة بين أهل العلم والتوجيه وبين أهل الحكم والتنفيذ، وإلا فقد قال جل وعز عن قائدنا صلى الله عليه وسلم ورسولنا الكريم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}
أما السبيل إلى التغيير لهذه النظرة، ففي عدة قضايا منها:
- الثبات على المبدأ.
- والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
- عرض هذا الدين العظيم في قالب واضح سهل مفهوم للمدعوين.
- رد الشبهات عن هذا الدين.
- استغلال الوسائل الإعلامية المشروعة لذلك.
تتسم الإجازة الصيفية برغبة في الترويح عن النفس فكيف كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يروح عن نفسه؟
الترويح عن النفس مفتاحٌ من مفاتيح إعانتها على النجاحات، فهذا استراحة للراحة، واستعداد للنجاح والعمل، والموفق هو الذي يروح عن نفسه بما أباحه الله له، وما أعانه على الطريق إلى الله، لا بما حرّم الله عليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه في لطيف المسائل، ويسابق عائشة رضي الله عنها، ويداعب أصحابه ليروح عنهم رضي الله عنهم جميعاً.الخروج للمناطق الخلوية فرصة عظيمة لأن يتأمل الإنسان في ملكوت السماوات والأرض وآيات الله فما الهدي النبوي في ذلك؟
حُبِّب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخلوة والتفكر في أول شأنه، وهذا فيه لافت تربوي يؤكد على أن كل عظيم يحتاج إلى لحظات تأمل وتفكر يصنع فيها العلاقة مع ربه جل وعز، ومع نفسه، وهذا مفتاح من مفاتيح التدبر.
آداب وأحكام
لا تخفى عليكم الآداب التي يحسن بمن أراد الخروج للتنزه والاستجمام التنبه لها والعمل بها فهلّا أتحفتنا بأهمها؟
يحسن بالمُوفق الذي يريد الخروج للتنزه والاستجمام أن يراعي ما يلي:
- الخروج يوم الخميس إن تيسر.
- ذكر دعاء الركوب والسفر وتعليمه للصبيان والنساء.
- ذكر دعاء نزول المنزل وتعليمه للصبيان والنساء.
- العناية بمحارمك وعدم التبذل في اللباس والآداب.
- العناية بالنظر فلا ينظر إلى ما حرم الله عليه جل وعز.
- العناية بحقوق المسلمين عامة من التوسيع لهم في الطريق، وعدم ترك الأذى في الطريق، وعدم مضايقة المسلمين والمسلمات.. وغير ذلك كثير.
للجار حق في الشرع المطهر وقد يجاور الإنسان في سفره أو في الأماكن الخلوية من لا يعرفه، فكيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟
الصيانة والاحتشام والأدب في التعامل، فربك في بلدك هو ربك جل وعز في سائر البُلدان، والنبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى ظُن أنه سيورثه، وهذا في عموم الجيرة، ولو كانت للبادية في البرية، وللرحالة وغيرهم.
من أكثر المسائل الفقهية إشكالاً لدى بعض المسافرين: صلاة الجمعة هل تلزمهم أم لا؟ وما إذا نزلوا بجوار قرية ما الأفضل لهم في ذلك؟ وهل تجمع صلاة الجمعة مع العصر؟
قال السيوطي -رحمه الله-:
الناس في الجمعة أقسام:
1- من تلزمه وتنعقد به، وهو كل ذكرٍ صحيح مقيم متوطن مسلم بالغ عاقل حُر، لا عذر له.
2- من لا تلزمه ولا تنعقد به، ولكن تصح منه، وهم العبد المملوك، والصبي، والمسافر، والمرأة.
3- من تلزمه ولا تنعقد به، وذلك اثنان: من داره خارج البلد وسمع النداء، ومن زادت إقامته على أربعة أيام وهو على نية سفر.
4- من لا تلزمه وتنعقد به وهو المعذور.
* أما إذا نزل بجوار قرية وسمع الأذان استحب له الحضور.
* يقول أهل العلم لا تجمع الجمعة مع العصر.
مراقبة الله
يقع بعض المتنزهين في السهر مما قد يفوت عليه صلاة الفجر فهل من نصيحة تجاه ذلك؟
العناية بالتكبير بالنوم، ومراعاة الصلاة، فإنها حق الله، ويختلف هذا كل إنسان بحسبه، فمن الناس من يطيق شيئاً ومنهم من لا يطيقه.
كيف يمكن للإنسان أن يتجنب بعض المنكرات التي قد تقع في تلك الأماكن كاختلاط الرجال بالنساء وتكشف بعض النساء أو عدم الحذر واتخاذ الحيطة بالحجاب؟
الحمد لله المسافات شاسعة، والمراكب نشيطة، فالذي يطمع في النزهة للتنزه والترويح سيجد المكان المناسب، وأما من يزاحم الناس ويشق على الأسر بإحراجهم والتضييق عليهم فليس هذا من الأدب أولاً، ثم إنه سيكون في هذا المكان ولو بعد زمن، فيجد من يسدد هذا الدَيْن وقديماً قيل:((دقة بدقة ولو زدت, زاد السقا)).., فأوصي الإخوة ونفسي بتقوى الله في السر والعلن والرعاية لحقوق الإخوة بين المسلمين.
من الناس من ينظر إلى السفر - وخاصة من يسافر خارج بلده - أنه يعني التفلت من كل توجيه شرعي فتجدهم يوغلون في بعض المنكرات وتكثر منهم الأخطاء، ولا يستشعرون مراقبة الله جل وعز.. فهل من توجيه لهم؟
الله يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، فلا يكن الله أهون الناظرين إليك يا عبد الله.كتب تنصح بها المسافر والمتنزه ونحوهما.. ليستفيد منها؟
أما الكتب فهي كثيرة ومنها:-
1- وأعظمها كتاب الله جل وعز وتفسير ميسر مختصر له، كزبدة التفاسير للأشقر.
2- كتاب قريب المعلومة سريع الفائدة ككتاب الفوائد للإمام ابن القيم.
3- كتاب تجارب وفوائد ككتاب صيد الخاطر لابن الجوزي.
4- ديوان فتاوى تتعلق بالسفر وأحكامه للأحد العلماء الراسخين.
5- كناشة النوادر لعبد السلام هارون فهو كتاب نافع تجد فيه ما لذ وطاب.
6- كتاب أحكام السفر لشيخنا عبد الله بن مانع الروقي ففيه فوائد كثيرة قد لا تجتمع في غيره.
حق الطريق
عندما نخرج للمتنزهات والحدائق نرى بعض الظواهر السلبية كرمي النفايات في غير أماكنها المخصصة، وإزعاج الآخرين وإيذائهم بأي حال من الأحوال.. فهل من كلمة حول مثل هذه الظواهر السلبية؟
هذا سوء أدب وأذى للمسلم، وعدم إعطاء الطريق حقه، وصاحب هذا الشأن مأزور غير مأجور، وقد لا يسلم من دعوة مسلم صالح عليه فتفسد حياته والسلام.
((الحجاب عادة لا عبادة !!)) ما تعليق فضيلتكم على تساهل بعض نساء المسلمين بالحجاب أثناء الخروج إلى المتنزهات؟
الحجاب عبادة لقول الله جل وعز: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}ولا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في أمر الحجاب سواءً في البلاد أو خارجها فَرَبُ الأماكن واحد جل وعز.
وقد أفتى شيخنا ابن باز- رحمه الله رحمة واسعة- بقوله لسائلة تسأله عن هذا: لا يجوز لك ولا لغيرك من النساء السفور في بلاد الكفار كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواءً كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد لأنه لا أمان لهم يحجزهم عما حرم الله. أ. هـ.
كيف يمكننا أن نُفَعِّل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المتنزهات على مستوى الفرد والأسرة؟
إن تفعيل هذه الشعيرة العظيمة بين أفراد الأسر هو برفع مستوى الثقافة الشرعية، ومستوى المراقبة لله جل وعز، وبرفع مستوى الشعور بحقوق الإخوة، والجوار، والمواطنة. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر.
كلمة أخيرة تريد أن تقولها في نهاية هذا اللقاء.
وأخيراً في هذا الحوار المبارك أرفع للأمة الإسلامية العزاء في شيخنا ووالدنا العلامة: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين الذي وافته المنية في ظهر يوم الاثنين من شهر رجب - رحمه الله رحمة واسعة.وجزاه الله عني وعن المسلمين كل خير وبر، إن الله ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله أولاً وآخراً.