قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِي} (28) سورة النور.
القرآن الكريم متى تدبرناه وفهمناه صلح عليه أمر ديننا ودنيانا، وهذه الآية الكريمة مَن يعمل بها الآن، والله المستعان، قليل وقليل ما هم {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، أقول لكم لماذا؟ واصل القراءة وستعلم!! وإن قيل لكم ارجعوا: من منا طرق باباً أو رفع سماعة ثم لم يرد عليه ماذا تكون ردة فعله؟ وماذا سيقول؟ سيقلب الأرض رأساً على عقب، ويشنع بذاك الذي لم يرد عليه، ويقول: سفهني ولم يجبني.. ولا يحبني بل يكرهني، ومن تلك الكلمات التي تنبئ عن (سوء ظن)، وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يشهر به.. لقد طرقت بابه ولم يفتح لي.. اتصلت عليه ولم يرد عليَّ، وكل مَن لقيه قال له هذا الكلام حتى يُشهر به... هذا لأنه لم يرد عليك... وقد يكون معذوراً... لأي سبب من الأسباب؛ فهل اطلعت عليه فرأيته لم يرد عليك؟ وهل عرفت حاله في أنه يكرهك؟ فمالكم لو قال لك لا أستطع مقابلتك، أو رد عليك وقال اعذرني لا أستطيع مكالمتك؟ لا إله إلا الله.... الله أكبر.... كيف سيكون حالك؟ إنها الطامة الكبرى، إنها الصاخة، إنها القاضية، إنها الأمر الذي سيجعل العداوات والظنون والأحقاد وسوء الظن وما إلى ذلك. أطرق بابه ويعتذر عن مقابلتي!! وأتصل عليه ويقول لي أعتذر.. هذا أمر لا يسكت عليه أبد... ويهجر أخاه... وليته فقط يكتفي بالهجر بل بالتشهير أيضاً... والتنقص، بل ارتكب جريمة لا تغتفر له مدى حياته... وارتكب أمراً عظيماً لا يزول مع الشهور والأعوام... هل توافقني أخي الكريم على ما قلت؟ وهل هذا هو الواقع بمجتمعنا؟ لا إخالك تخالفني، والدليل أنه لو كان مشغولاً ترك الرد حتى يخرج بعذر يسعفه من فورة الغضب عند المتصل، والله سبحانه يقول: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (28) سورة النور.
فلو طرقت الباب أو اتصلت ولم يرد عليك فقد يكون في حالة لا يقدر أن يقابلك أو يستقبل اتصالك ولو وصل الأمر إلى أنه قال: لا أقدر فهو لا يقدر لما يكون عليه من الحالة التي هو فيها.. وكذلك في الاتصال فعليك ألا تمتنع من الرجوع، ولا تغضب من ذلك فإن صاحب المنزل لم يمنعكم حقاً واجباً لكم، وإنما هو متبرع فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز، من هذه الحال... (قاله السعدى في تفسيره)؛ فرجوعكم أزكى لكم؛ أي أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات، أي رجوعكم أزكى لكم. قال سعيد بن جبير في قوله: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}؛ أي لا تقفوا على أبواب الناس.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} قال القرطبي - رحمه الله -: توعد أهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل ولا يجوز، ولغيرهم ممن يقع في محظور. ا هـ. قال ابن كثير - رحمه الله -: قال قتادة: قال بعض المهاجرين: طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها: أن أستاذن على بعض إخواني، فيقول لي: (ارجع)، فأرجع وأنا مغتبط؛ لقوله تعالى: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.