الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) إلى دولة الهند قبل أكثر من أسبوع، مرت هكذا دون أي تركيز أو تحليل، كما تجاهلتها أهميتها ورسائلها وسائل الإعلام العربية والإسلامية، على الرغم مما لتلك الزيارة من مؤشرات ودلائل مهمة إقليمية ودولية، خصوصاً ما يتعلق منها بقضية التوازن العسكري التقليدي في تلك المنطقة.
المراقب لا يمكن هنا أن يسهو عن هذا التطور الاستراتيجي المهم، ولا يملك إلا أن يضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بنتائج تلك الزيارة وما توصلت إليه من اتفاقيات مختلفة، في طليعتها تزويد الهند بحوالي 126 طائرة مقاتلة أمريكية حديثة من شركتي لوكهيد وبوينج؛ لتفوز واشنطن بحصة كبيرة من مبلغ الـ30 مليار دولار الذي خصصته الهند لتحديث ترسانتها العسكرية التي تشتمل أيضا على شراء طائرات سويدية مقاتلة من طراز KAS39.
التطور هذا لا يُشير وحسب إلى حدوث خلل كبير في موازين القوى العسكرية في المنطقة خصوصاً تجاه الباكستان، وإنما يدل دلالة واضحة على عودة التقارب والتحالف الحميم إلى العلاقات الأمريكية - الهندية بعد أن اتجهت واشنطن بشكل ملحوظ منذ عام 2001م إلى الباكستان وانشغلت معها وبها عن الهند في حربها على الإرهاب في الباكستان وأفغانستان.
إذ من المعروف أن واشنطن هي الحليف الاستراتيجي للهند، فيما تقف الصين الشعبية كحليف استراتيجي للباكستان مواز للحلف الأمريكي الهندي، أما روسيا الاتحادية فتلعب على الحبلين وتملأ الفراغ هنا تارة، وهناك تارة أخرى كلما سمحت لها الظروف بذلك.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حليفاً قوياً للباكستان في مرحلة ما قبل الرئيس الباكستاني الأسبق (ذو الفقار علي بوتو)، بيد أن ذلك التحالف شهد انحساراً واضحاً بعد أن تمكنت الباكستان من تطوير قوتها النووية العسكرية ضاربة عرض الحائط بالضغوط الأمريكية للتخلي عن برنامجها النووي.
تحصل هذه التطورات في ذات الوقت الذي تشهد فيه المنطقة نشاطاً واضحاً لحركة طالبان أفغانستان وشقيقتها طالبان في الباكستان الحليفين التقليديين لتنظيم القاعدة الذي على ما يبدو تحرك منذ مدة لضرب مقومات الاستقرار السياسي في تلك الدول وأيضا في الهند بعد العمليات الإرهابية المعروفة التي نُفّذت في الأراضي الهندية وتحديداً في البرلمان الهندي.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار التقارب الهندي الإسرائيلي، ومعه أيضا التقارب الإسرائيلي التركي، فمن الواضح أن الصورة هذه قد تتضح معالمها ومعانيها أكثر وأكثر على نطاق أكبر من نطاق شبه القارة الهندية، الهند في شبه القارة الهندية، وتركيا في منطقة الشرق الأوسط ومعها إسرائيل؛ ليتم إحكام القبضة الأمريكية على المنطقة برمتها ومعها أيضا الباكستان.
هنا قد تتضح حقيقة التقييم الأمريكي ومن ثم التحرك الأمريكي للإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة باراك أوباما الذي يميل إلى وضع استراتيجية كلية شاملة للتعامل مع الأحداث الراهنة وما قد يتمخض عنها من تطورات، بل وما قد تلده تلك الأحداث من أحداث قادمة.
بمعنى، هناك شيء ما يحدث لحركة الصراع في شبه القارة الهندية، وهذا الشيء لن يكون قطعاً في صالح الباكستان، وقد يكون غير متوقّع حدوثه من الحكومة الباكستانية؛ فهم، أي الأمريكيين، يصبون إلى تحريك بعض القضايا الجامدة أو تلك المعلقة التي تحتاج إلى زخات سياسية أو دفعات أمنية وعسكرية، بدورها قطعاً لن تصب في مصلحة الباكستان التي تعارك وتكافح عسكرياً تمرد حركة طالبان الباكستان منذ عدة أسابيع، بل عدة شهور.
الذي يبدو حتى الآن أن هناك شهيات سياسية دولية تتعاظم قوتها وترتفع موجات زخمها المتسارع لتحقيق أهداف ومصالح إقليمية ودولية ذاتية ضاربة عرض الحائط بالواقع الخطير الذي تعيشه الباكستان في حربها مع الإرهاب، تلك الشهية تكبر وتتسع لتعود مرة أخرى إلى سابق عهدها الكلي بعد أن اقتاتت كثيراً على مخرجات جبهة واحدة تم استنزافها بشكل ملحوظ.
الحال أنه كلما تعقدت الأحداث في الباكستان مع نمو خطر التشدد والإرهاب في أراضيها، زادت الحاجة إلى دور هندي أكبر، بالطبع منسجم ومتوازن مع استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة، الدليل فشل أو جمود الحرب الأمريكية على الإرهاب، وتنامي الحاجة إلى إيجاد مخارج سياسية وعسكرية تمكّن واشنطن من الخروج من مآزقها الحالية. نحن هنا حيال محاولة لفرض أمر واقع جديد؛ فمعظم الفرص قد ضاعت، فيما لم يتبقَّ الكثير منها لمعظم الأطراف، تحديداً تلك التي لا يمكن أن تعوض ما فاتها من فرص، فيما تبقى الفرص متاحة للطرف الأقوى الذي يملك معظم الكروت الرابحة.
www.almantiq.org