كل ليلة نعشو إلى الركن الذي كم ملأته بنبراتك العطرة.. الركن الذي ما زال رطباً.. فارغاً.. ينتظرك كل ليلة.. كل ليلة ينتظر.. وننتظر.. وعندما يطول غيابك.. تتملكنا وحشة معتمة.. باردة.. مفزعة.. وحشة تمسكنا من الرقاب وتجف الأحرف في حلوقنا وتغص الكلمات في الحناجر.. ويعجز اللسان عن الكلام والسؤال عنك:
أين أنت.. وأي درب سلكت..؟
وعندما نفيق من دوامة الذهول.. تتملكنا دهشة!! وسؤال:
كيف؟.. أمس كان بيننا! واليوم رحل!!
كيف نصدق رحيلك.. ونحن ما زلنا ننتظر خطواتك..؟!
الآن... لا... ربما بعد قليل.. تطرق الباب.. تهل علينا طلتك.. تغمرنا بفيض حبك الكبير.. تسكب في صدورنا الأمان.. الذي افتقدناه في غيابك.. تضمنا إلى صدرك الحنون.. تذيب جليد الوحدة عن قلوبنا.. تداوي الجراح.. تروي العطش.. تؤنس الليالي.. وتنير الطريق من جديد.
لماذا رحلت.. وأين ذهبت.. وتركتنا لعجاج الأيام؟!
ويمر.. عام.. وبعده عام..
وحنيننا إليك حنين الجريح للسلام..
على سفينة مظلمة نعبر بحر الآلام..
توجعنا السماء بمطرها.. والبرد يكسر العظام..
ولكننا ما زلنا.. على قيد الحياة.. ورحيلك خنجر مسموم.. في ضلوعنا.. نحمله.. بين حنايانا.. ونكمل طريقنا.. نمشيه.. بفرائض مرتجفة.. لا ندري أترتجف من أثر السم أم واجفة.. من غير غدر الأيام المقبلة..
ويمر الزمان.. ويرحل زمان..
ويأتي صوتك من جوف الأرض من تحت الرمال.. نقبل الصوت ونحضن الصدى.. وتقول لنا:
رحلت.. لكني معكم.. أجلس وراء الأمسيات..
أراقب ثمار عمري.. في السمو.. في العثرات..
ونقول لك:
يا أغلى الناس.. أنت رحلت بعدما منحتنا تميمة النجاح.. رحلت وما زلت.. تحمينا هبوب الرياح رحلت.. بجسدك.. وروحك تطل علينا في المساء وكل صباح..
ديمة صالحة