Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/07/2009 G Issue 13446
الاربعاء 29 رجب 1430   العدد  13446

نظرات في تصانيف نحوية مهمة (5-5)
أ.د. عبدالكريم محمد الأسعد

 

8 - شرح الأشموني للألفية:

يعدّ شرح الأشموني المتوفى 929هـ أغزر شروح الألفية الكثيرة، وهو من أكبر كتب النحو المتأخرة جمعاً واستيفاء لمذاهب النحاة وتعليلاتهم وشواهدهم مع البسط والتفصيل، وقد اعتمد في هذا كله على التوضيح ومغني اللبيب لابن هشام، وعلى شروح (تسهيل) ابن مالك، وعلى شروح ابن الناظم والمرادي وابن عقيل والشاطبي للخلاصة الألفية، وعلى غيرها من كتب السابقين.

وقد نسب الأشموني القول إلى صاحبه أو مصدره في بعض الأحيان، ولكنه على الغالب كان يُغفِل النسبة إلى صاحب الكلام، فقد نقل كثيراً من كلام (المغني)، ونقل أكثر بكثير من شرح المرادي للألفية دون أن ينسب نقوله إلى المصدر الأصلي. وقد ذكرت في رسالتي للماجستير عام 1971م أن شرح الأشموني للألفية يكاد يطابق على وجه شبه كامل شرح المرادي المغربي المصري لها، وذلك بعد أن حصلت على مخطوطة نادرة من أحد علماء مدينة (طهطا) في صعيد مصر في ذلك الحين، وقمت بمقارنتها بشرح الأشموني، وأعلنت النتيجة السابقة قبل أي باحث آخر.

ويتميز شرح الأشموني النحوي المصري البارز بأنه يسوق في ثنايا الموضوعات طائفة من التنبيهات المفيدة، ولكن بعض هذه التنبيهات شابَهُ عدم الدقة في ترتيبها من حيث رعاية ارتباطها بالمقصود.

وقد سلك الأشموني في شواهده مسلك الذين سبقوه؛ فكانت خليطاً من القرآن والحديث وشعر العرب ونثرهم، وفي الاحتجاج بالحديث كان الأشموني تابعاً لابن مالك فأحتج به مثله، وأما الشعر فكثير في شرحه، وهو مقلد فيه مَن أخذه منهم، وقد ساعده تأخره الزمني على جمع مقدار كبير من الشواهد الشعرية من مختلف المؤلفات قبله، وجمهرة شواهد الأشموني الشعرية كانت للشعراء المعتد بهم، غير أن قليلاً من هذه الجمهرة قد ناله التحريف أو التصحيف وبعض شواهده كان لشعراء محدثين لا يحتج بشعرهم النحاة، وذلك مثل قول أبي نواس:

غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن

فقد قلد الأشموني الرضي الاستراباذي في الاستشهاد به.

وقول أبي العلاء المعري:

يذيب الرعب منه كل عضب

فلولا الغمد يمسكه لسار

فقد جارى الأشموني في الاحتجاج به ابن الناظم.

أما ما وقع فيه التحريف والتصحيف من شعر الشعراء القدامى الذين يحتج بهم فقد كان التحريف أو التصحيف في بعضه مؤدياً إلى عدم صحة استشهاد الأشموني به على الحقيقة النحوية التي يتحدث عنها مثل احتجاجه على أن الفعل المضارع ينصب شذوذاً بأن المصدرية الواقعة بعد (العلم) بقول جرير:

نرضى عن الله إن الناس قد (عملوا)

ألا (يدانيَنا) من خلقه بشر

على اعتبار أن (لا) النافية المدغمة في (أن) حاجز غير حصين لا يمنع (أن) من نصب المضارع بعدها، مع أن صحة رواية البيت (أن لن يفاخرنا) بنصب الفعل المضارع بلن وليس بأن، وكان التحريف والتصحيف في بعضه الآخر خالياً من الضرر في الاحتجاج النحوي به، ومن ذلك استشهاده بقول الراعي النميري:

لم يتركوا العظامه لحماً

ولا لفؤاده معقولا

مع أن صحة البيت:

حتى إذا لم يتركوا العظامه

لحماً ولا لفؤاده معقولا

والفرق بين الروايتين واضح في زيادة الكلام ونقصه وفي عدد التفعيلات العروضية وترتيبها في الشطرين واستشهاده بقول الأعشى في معلقته:

لن (تزالوا) كذلكم ثم لا زلتَ لهم خالداً خلود الجبال

وصحة البيت:

لن (يزالوا) كذلكم ثم لا زلتَ لهم خالداً خلود الجبال

لقد رزق شرح الأشموني لألفية ابن مالك، على الرغم من النقود السابقة، القبول بين العلماء؛ فحشَّى عليه كثيرون، ومن حواشيه حاشية المدابغي، وحاشية الأسقاطي، وحاشية الِحفني، وحاشية الصبان، وهذه الأخيرة أشهر هذه الحواشي جميعاً.

9- حاشية الصبان على شرح الأشموني للألفية:

ظهرت بعد عصر الأشموني كتب متنوعة في النحو كان أكثرها شروحاً أو حواشي أو تعليقات على ما سبقها من مؤلفات، ومن أهم هذه الكتب حاشية الصبان المتوفى 1206هـ على شرح الأشموني، وقد رسم الصبان في مقدمة حاشيته الخطة التي سيتبعها فيها، وبيّن أنها تقوم على ثلاثة عناصر هي: (تلخيص زبدة ما كتبه السابقون قبله على شرح الأشموني، والتنبيه على ما وقع لهم من أسقام الأفهام، والتعليق بما فتح الله به عليه فاهتدى إليه).

وقد أسرف الصبان في حاشيته في التحامل على الحِفني، وكان يرمز إليه بلفظ (البعض) متجاوزاً العرف التقليدي في رد العلماء بعضهم على بعض، وكثيراً ما يتندر به وبكتاباته بعبارات نابية مثل: (ولغفلة البعض) ومثل (وللبعض هنا كلام حقيق بالطرح) ومثل (ولقد ظهر لك إن كان عندك أدنى تنبّه أنه لم يخطئ إلا ابن أخت خالته) ومثل (قول البعض لا يعتمد عليه وحده لكثرة تساهله كما لا يخفى على ممارس حاشيتنا).

أما ما تضمنته الحاشية من مبتكرات الصبان واجتهاداته التي أشار إليها في مقدمة حاشيته فقد كان فيها السابق المجلي في الكثير، لكنه لم يسلم في القليل منها من التثريب واللوم في عدة أمور، منها ما يتصل بالناحية العلمية مثل عدم معرفته اصطلاح الكوفيين في تسمية الاسم المنصرف بالمجرى وغير المنصرف بغير المجرى، ومنها ما يتصل بالاستطراد الواسع والمتكرر إلى علوم أخرى غير النحو كالمنطق والبلاغة والعروض واللغويات وغير ذلك، ومنها ما يتصل بالخطأ في شرح الشواهد، وهذا واضح فيما وقع من الصبان من كثرة الحدس والتخمين في شطر من شواهد الأشموني، فقد كان أحياناً يفسر البيت بما يبدو له دون تنقيب عن أصله، أو كان يقف دون بيانه معتذراً، وقد يردد الاحتمالات التي يُستغرب بالتعرض لها، ومن ذلك كله شرحه لبيت الفرزدق:

كلاهما حين جدَّ السيرُ بينهما

قد أقلعا وكلا أنفيهما رابِ

بما يفيد أنه في وصف فرسين، والحقيقة أنه للتندر في ابنة جرير وبعلها.

وشرحه لقول ابن ميّادة:

يحدو ثمانيَ مولعاً بلقاحها

حتى هممن بزيفةِ الإرتاج

بما يفيد أن النياق طربت من حداء صاحبها، والحقيقة أن البيت في وصف حمار وحش اشتد شبقه على الأُتن.

وتعليقه على قول المعطَّل الهذلي:

رويدَ عليّاً جُدَّ ما ثديُ أمِّهمْ

إلينا ولكن بعضهم متماين

بقوله: (لم أر مَن تكلم على هذا البيت) مع أن البيت من شواهد كتاب سيبويه، ومن شواهد شرح ابن يعيش لمفصّل الزمخشري.

إن ما ذكرناه ونحوه يحملنا على القول بأن حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك وإن كانت مفيدة في علم النحو وفيما تطرقت إليه من سائر العلوم فإنها لا يعول عليها كثيراً في الشواهد النحوية.

أستاذ سابق في الجامعة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد