عندما توافر لي شيء من الوقت في هذه العطلة الصيفية أخذت أقلب في أوراقي القديمة فعثرت على رسالة من الشيخ عثمان الصالح يعود تاريخها إلى سنة (1402هـ) فتذكرت مقالاً نشر في جريدة الجزيرة، ومضمونه نشر رسائل الشيخ في كتاب فأحببت أن تكون هذه الرسالة من ضمن ما ينشر، فهي واحدة من الرسائل بالإضافة إلى احتوائها على طلب العلم وحفظ الشعر.....
|
.....ودراسته من قبل الشيخ من سنة (48- 1354هـ) وهذه المعلومة كتبها بيده فهي جزء من سيرته العلمية، والرسالة تتكون من ثلاث صفحات وفيها فوائد جمة وتمثل تواضع العلماء وسمو أصحاب الهمم العالية.
|
وإذا كان الحديث عن الشيخ المربي عثمان الصالح فإن القلم يأبى التوقف فالذاكرة تختزن الكثير عن المشرف على تربية الأمراء الشيخ عثمان الصالح، ومن تلك الذكريات استضافة الشيخ للملك سعود في منزله في شارع الخزان في عام (1380هـ) في ذلك العام كنت طالباً في المعهد العلمي وكان منزلنا في حي (العجلية) المجاور لشارع الخزان من الناحية الجنوبية، وكنت مع بعض الشباب قد اتخذنا لنا ملعباً لكرة القدم في الناحية الشمالية من شارع الخزان، فالأرض فضاء إذ لا يوجد فيها إلا بعض البيوت مثل بيت خالد خليفة أو بيت عثمان الصالح، وبعض المباني لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن سعود فإذا خيم الظلام أحضر أحدنا الشاي وسمرنا إلى ما شاء الله، وفي إحدى الليالي مرَّ أمامنا موكب الملك سعود ثم توقف بالقرب منا فأسرعنا إلى الموكب لنرى سبب توقفه فإذا بالملك سعود يترجل ويدخل في دار عثمان الصالح، فسألنا بعض الجمهور فأجاب بأن الشيخ عثمان الصالح قد استضاف الملك سعود، هذه أول معرفتي بالشيخ عثمان الصالح، وهذه المناسبة عرفتني بالشيخ فأخذت أتابع أخباره في الجرائد وأقرأ مقالاته، وكنت أعجب بسعة أفقه وتنوع مصادر معارفه، فأعماله كثيرة ومع ذلك يقرأ ويكتب ويعلق ويشارك فبالإضافة إلى الكتابة في الصحف كتاباته رسائل شخصية لكثير من العلماء والأدباء والتربويين، وما رسالتي إلا واحدة من رسائله الكثيرة، لقد استمر الشيخ عثمان الصالح في عطائه الأدبي والتربوي والاجتماعي عقوداً متتابعة يوجه ويهدئ بعض النقاشات التي تتجاوز الحدود المقبولة، فأثر الشيخ في المجتمع لا يعرفه إلا القلة وفي آخر حياته رحمه الله اشتهرت ندوته الأدبية الثقافية بالاتزان وسعة الاستيعاب فأمها كثير من الأدباء والمثقفين لما يجدون فيها من تنوع المعارف، فهي لا تقتصر على جانب من المعرفة دون جانب بل تستوعب أصناف المعارف والعلوم وقد فجعنا بوفاة الشيخ في الشهر الثالث من سنة (1427هـ) فكان فقده موجعاً لكثير من الأدباء والعلماء ومرتادي ندوته، وكل من اطلع على الصحف في شهر وفاته يدرك أثر الشيخ الذي تركه في محبيه، فالمقالات كثيرة والأشعار التي قيلت في رثائه تعبر عن الحزن والأسى والألم، ومنها مرثية الشاعر زاهر بن عواض الألمعي التي تتميز بتعيين المسجد الذي صلي فيه على الشيخ والمقبرة التي دفن فيها، ومن أبياتها:
|
ورائد من سراة القوم محتده |
يغيب عنا وفي أكبادنا الكمد |
جاء المصلون في أم الحمام وقد |
ضاقت مسالكها والناس تَحْتشدُ |
إن غبت عنا فدار العز باقية |
والآل من حولها والصحب والولد |
عزاؤنا فيك أجيال مهذبة |
سقيتها الحب لا يحصى لها عدد |
ومن مرثية طويلة لشاعر آل صالح أحمد الصالح (مسافر) هذه الأبيات:
|
رحلت وفي الجوانح نبض قلب |
سرى في كل جارحة دبيبا |
وذكراك استوت في كل ذكر |
تعطره الفعال ندى وطيبا |
بسطت لمنتدى الاثنين كفاً |
ووجهاً مشرقاً صدراً رحيبا |
هذه كلمات وفاء لرجل يستحق الثناء أقرنها برسالة الفقيد التي سطرها بقلمه الذي توقف عن الكتابة الآن، فهي شاهد على النبل وطيب المحتد.
|
|