Al Jazirah NewsPaper Monday  20/07/2009 G Issue 13444
الأثنين 27 رجب 1430   العدد  13444

وعلامات!
تجاربهم في القراءة (3)
عبد الفتاح أبو مدين

 

إن التعلق بالكتاب يصبح عادة من خلال استمرار هذه الصحبة المثمرة الجميلة، وقد تؤدي هذه المداومة إلى كثير من الغبطة حين يصبح الإنسان ويمسي، وبيده كتاب متجدد العناوين، وحوله كنوز من هذه المعارف التي لا حدود لها.. وقد أسعدتني هذه الصحبة الثرية فصارت ديدني، فكنت اقرأ في بعض الأيام مئة صفحة في اليوم والليلة بجانب عملي الوظيفي.. ولفت نظري في آخر رسالة مدير المشروع الثقافي الوطني في مكتبة الملك عبد العزيز العامة الدكتور فهد العليان، هذه الجملة: (لتجديد الصلة بالكتاب)، ولعلي أقول: إن البدء من البداية، بمعنى أن قضية القراءة بعامة تبدأ من بداية التعليم العام، فإذا أصبح الطالب والطالبة ذوي علاقة قوية بالقراءة العامة والقراءة الحرة، أمكن لهذه الصحبة أن تثمر، وأمامنا الغرب بعامة وحتى بعض البلاد العربية، نرى أن القراءة عندهم عادة ورغبة قوية، لأنهم تدربوا وتعلقوا بالقراءة من البداية، فتوثقت الصلة بهذا الكنز.. ولو عدنا إلى أكثر من أربعة عشر قرناً، فإننا واجدون أن أول ما نزل من الكتاب العزيز على خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم كلمة - اقرأ - وحين تصبح أمة اقرأ لا تقرأ، فإنها اشكالية خطيرة، وأنا لا أهول القضية، ذلك أنه واقع مرير ولكنه ليس عاماً.. وإذا كان البدء من البداية كما نقول في مثلنا السائر.. وإذا البيت قد قصر في أداء أمانته وينطبق عليه قوله: (أم تخلت وأب مشغول) فإن الأمل بعد الله في تعليم قوي عبر وسائله المتعددة، ومنه نستطيع غرس حب القراءة، لينشأ ناشئو الفتية من الجنسين عبر التعليم المدرسي القوي الفاعل قارئين.. وسمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم، قال قبل أيام معدودة، إنه يحتاج إلى مئة يوم ليرتقي بالتعليم العام، وحين أعاد النظر في وضع أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة، وتأكد من المستوى القائم، عاد وقال إن الرقم الذي أعلنته يحتاج إلى إضافة صفر، ليصبح ألف يوم، وفي تقديري أن إصلاح التعليم العام بقيادة رجل طموح كالأمير فيصل بن عبد الله قائد التعليم العام اليوم، سيكون بعون الله ثم بعملية إصلاحية قوية، ستصلح حال التعليم بخير إن شاء الله لأنه أساس.. أما موضوع القراءة، شؤونها وشجونها، فهي قضية تقلق المضاجع، وحق لها أن تكون كذلك، وأن تلقى اهتماماً لا حدود له، حتى يتحقق الهدف أو الأهداف المرجوة بحق، والله المستعان! وحين أعود إلى القراءة كهاجس للساعين نحوها، أجنح إلى المثل السائر: عند الصباح يحمد القوم السرى.. ويحدوني عون الله تعالى، لأقول إن تلك الحال المخفقة في بداية حياتي الدراسية المحدودة زمناً وظرفاً، واخفاقي في التعبير، فتح لي أبواباً ونوافذ لأنطلق من خلالها إلى عشق القراءة، أتنقل من كتاب إلى كتاب لأمارس شيئاً يسيراً من إعانتي على أن أشق دربي في عالم القراءة بقدر ما أتيح لي، من خلال سعي في الحياة العملية، وظروفها العاجة بمكونات الإبحار فيها، عبر مسالك كثيرة، وأن الإرادة الطامحة قائمة تدفع إلى المسارات التي تستجيب لسائر يتحدى نفسه، نحو المزيد من زاد الكتاب وإثرائه، لمن يحفل بصحبته، ويسهر معه ويصحبه كهاجس، دأبه القلق والأمل والعمل، لنيل المزيد من احتياج النفس إلى مناح بعيدة الأغوار، وري لا ينضب لأنه شلال، ولأنه هدف ليس له حدود، وعطشه يشبه شرب الهيم المقبلة على الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي!

إن القراءة الجادة المفيدة تتطلب مكاناً هادئاً من كل المؤثرات، ليتحقق من ورائها الجدوى المبتغاة، وتتساوى عندي القراءة ليلاً أو نهاراً.. وفي عمر الشباب والقوة البدنية، ربما تواصلت القراءة ليلاً إلى ما بعد منتصف الليل، أما في النهار فهي عندي تخترق ساعات مختلفة.. وأستطيع القول إن المرحلة الطويلة في حياتي في النادي قيدتني بقراءة ما يرد إلى النادي من كتب بغية طباعتها، وكذلك بحوث دوريات النادي، وهذه البحوث من مختلف الوطن العربي، كانت بالنسبة لي وجبات مفيدة، وكأني أقرأ في شتى مجالات الثقافة.

فأنا أقرأها ليل نهار، بجانب دوامي في النادي المسائي، وقبل ذلك وظائف عملي، وخلال فترات النهار والليل كنت أقرأ وأقرأ للرقابة والفائدة، والقراءة الاكثر وقتاً بعد تهيئة المواد للنشر، واقرأ بعد المصحح لأستدرك أخطاء تجاوزتها عينه، واقرأ كرقيب، لأحمي من يجيز لي فسح بحوث الدوريات الأربعة وكانت خمساً، لان بلوغ عدد صفحات هذه الدوريات، يصل إلى الألفي صفحة، وقد تزيد حين تتسع صفحات (ملتقى قراءة النص).. وهو ملتقى سنوي أشبه بمؤتمر ينهض به النادي، فتصل إلى ألف صفحة وأكثر من ذلك، وهذه الكمية لا يستطيع الرقيب قراءتها في خلال دوام العمل المحدود الوقت، ومن المؤكد أن عند الرقيب قراءات أخرى.. وقد اطمأن رئيس القسم في الاعلام الداخلي إلى أني حريص على حمايته، وكذلك ما أريد من حرصي على استمرار صدور تلك المطبوعات بلا تعثر، ونجحت في اقناعه بالحماية من جانبي، حيث أصبح لا يقرأ ذلك الكم الكبير من مواد دوريات النادي وكتبه.. وهذا الاحتياط الذي أمارسه أدى عندي إلى قراءة متتابعة لكل ما ينشر، غير أنها قراءة لا ترقى إلى متعة القراءة الحرة، لاختيار ما اقرأ يومياً، متنقلاً بين حدائق المعرفة، التي لا حدود لها في القديم.. وفي العصر الحديث، ولو حاول انسان احصاء ما تدفع به المطابع كل يوم في الوطن العربي وحده لاحتار فيما يقرأ وما يدع.. وإن كان لا يقاس على ما يصدر عن الغرب من مطبوعات لا حدود لها، فوطننا العربي كله كما تعلمون لا يقارن بما يصدر عن دولة واحدة في الغرب، فهم يقرؤون كثيراً جداً، وفي كل تحركاتهم اليومية، القراءة لا تتوقف إلا خلال أداء الواجب الوظيفي وما إليه.

لكني أقول إن قراءاتي في الكثير من البحوث والكتب لا تندرج تحت مفهوم القراءة الحرة الماتعة، فهذه الأخيرة شأنها أجدى وأثمن، ولا أنكر أن قراءاتي لتلك الموضوعات الثرية، مما يصل إلى النادي من كتاب في الوطن العربي أفادني وهيأني للاستمرارية، لأن الكم الكبير في طياته ثقافات شتى، لمثقفين نضجت معارفهم في الفكر العربي وغير العربي. لا أريد أن يمتد ابحاري مع نبع لمشوق، بل أريد بعد هذا السرد غير البعيد وغير الطويل، أن أواصل مع من حولي من منارات المعارف، لأسمع تحاورهم كي أستفيد مما أسمع منهم، ما يفيدني ويمتعني، فأستزيد منه زاداً وروافد، ربما لم آت عليها في حديثي السريع العجل.. وأؤكد أني ذو سلعة مزجاة، قد لا يسغها بعضكم أو أكثركم، لست أدري! وأبو العلاء يقول:

وخذ رأيي وحسبك ذاك مني

على ما فيه من عوج وأمت


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد