العلاقة الزوجية لا يمكن أن تمضي على خير وجه ما لم يكن الحوار جزءا من مكوناتها وواحدا من ملامحها العامة, والواقع يشهد بأن كثيرا من العلاقات الزوجية التي باءت بالفشل وتعرضت للإخفاق التام ليست إلا بسبب عدم وجود الحوار، فكثير من الأسر لا تعي بدهيات المنهجية الحوارية؛..
...وهذا راجع إلى شيوع الجهل وتعاظم صور الحمق والإعراض عن النهل من مصادر المعرفة المتاحة. ولعلي أسلط الضوء على بعض الأسباب وبعض الآثار الناتجة عن غياب اللغة الحوارية وتهافت حضورها، ويأتي في مقدمة ذلك, انخفاض المستوى الثقافي، فعندما يكون أحد الزوجين شديد الجهل فإنه لا يعي أهمية الحوار والنقاش الهادئ، ولا يبدي قدرا من التفاعل الجيد؛ مما ينعكس بدوره سلبا على الطرف الآخر الذي قد يتولد لديه شعور بعدم جدوى الحوار؛ ومن ثم يسلك سبيل الصمت وعدم البوح بما يتلجلج في كيانه. إن فرص نجاح الحوار تتضاءل حتى ولو كان أحد الطرفين عاشقا للحوار لماذا؟ لأنه لا بد من التفاعل بين شريكي الحياة. في بعض الأسر يكون الاحتفاء بالحوار أحيانا من طرف واحد فقط أما الطرف الآخر فقد يكون يعاني شيئا من البرود والبلادة العقلية؛ ومن هنا فهو لا يبدي أي قدر من التجاوب وقد يشعر محاوره وكأنه يحاور صنما مجسما أو دمية لا تملك القدرة على التحدث.
إن ارتفاع مستوى ثقافة الفرد يجعله يتشبع بأدبيات الحوار والحرص على تعميقه، بينما الجاهل بينه وبين الحوار عداوة متأصلة، فهو نظراً لارتكاسه في مستنقعات الجهل يكره النقاش الهادئ ويتهرب منه ويرى أن كثرته ليست إلا نوعا من الثرثرة التي لا تسوغ!
إن التفاوت الثقافي بين الزوجين واختلاف العقلية التي يفكران من خلالها من ابرز العوامل التي تجعل الحوار عقيما، وتحيله إلى مصدر من مصادر تعكير الأجواء الزوجية وتلويث سمائها الصافية. عندما يكون هناك فارق كبير في مستوى المعرفة بين الزوجين فإن الحوار ينعدم أو يكاد, ويصعب أن يجدا أرضية مشتركة للالتقاء ومن ثم الارتقاء. اختلاف المستوى الثقافي يضع بينهما حواجز سميكة تضاعف الفجوة على نحو يجعل كل طرف يتكلم بلغة لا يفهمها الآخر؛ مما يفضي بالتالي إلى سيادة أجواء الصمت الخانق ومن ثم تقلص الشعور الودي إلى أدنى مستوياته.
عندما يفكر أحد الزوجين بعقلية تختلف تماما عن العقلية التي يفكر بها الآخر، فإن فرص فشل العلاقة ستتضاعف، وسيفقد الطرفان ذلك التواصل المفعم بمشاعر الحب ومن ثم تتحول العلاقة إلى علاقة شكلية تنحسر فيها الأبعاد الوجدانية المتكئة على التفاهم والاتصال.
إن الأسرة الراقية تتعامل مع الحوار باعتباره وسيلة لإذكاء العواطف الجميلة وتمتين الروابط الروحية وتقوية اللحمة على نحو يرشح لعوامل التلاحم الأسري, أما الأسرة الغارقة في الجهل فهي أصلا لا تعترف بالحوار وحتى عندما تعتمد الحوار ذات يوم فهو ليس الا نوعاً من المصارعة الكلامية والضجيج الصبياني والصراخ الأحمق الذي يشيع الاحتقان بفعل انعدام اللباقة في الخطاب المتداول.
نعومة اللغة الحوارية وأناقة ألفاظها تحول دون تصاعد الخلافات العائلية، إضافة إلى أنها مؤشر جلي على رقي الزوجين وانهما مؤهلان لإدارة الحوار بقوالب جمالية بعيدا عن الاشتباك الثنائي القائم على اصطفاء المفردات غير المهذبة والتعبيرات التوبيخية التي لا تفضي إلا إلى الإقصاء المتبادل.
إن خلو الحياة الزوجية من الإشكاليات أمر غير ممكن بل لو تم ذلك لصارت الحياة باهتة وخاوية من مضادات الجمود؛ وجود الخلافات أمر ضروري ولكن يجب أن تكون بمقدار الملح للطعام وتحسم فورا من خلال الحوار فبذلك تنتعش العلاقة وتتجدد طاقاتها. النقاش المتبادل والحوار المهذب هو منهج العقلاء وهو الأسلوب الوحيد الذي يجعل كل من الزوجين يفهم شخصية شريكه ويعرف طبيعته وحاجاته واهتماماته وما يحبه وما يكرهه, وهو الذي يضفي على علاقتهما الكثير من الدفء ويُشع الحنان في جنباتها ويجعل حياتهما موَّارة بأشكال التبادل الإيجابي الذي يحافظ على ديناميكية الحراك المشترك.
ولو تأملنا في كثير من أحوال البيوت التي انتهت بالطلاق لوجدنا أن غياب الحوار هو السبب الرئيسي في ذلك، فالزوجان غريبان عن بعضهما لا يعرف كل منهما شخصية الآخر؛ لأنهما يعيشان حياة مثقلة بالصمت القاتل الذي اغتال بهجتها وسار بها نحو الطلاق العاطفي الذي مهد للانفصال البائن.
abdalla_2015@hotmail. com