Al Jazirah NewsPaper Monday  20/07/2009 G Issue 13444
الأثنين 27 رجب 1430   العدد  13444
هل يُلام نتنياهو على مواقفه ؟!
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

من يتدبَّر تاريخ زعماء الصهاينة قبل إقامتهم كيانهم على أرض فلسطين يدرك أنهم كانوا مهرة في إدارة دفة جرائمهم للوصول إلى أهدافهم، فكان فريق منهم يمارسون ارتكاب تلك الجرائم بصورة واضحة؛ في حين كان فريق آخر منهم يتظاهر بأنه لم يكن شريكاً ...

... في ارتكابها مع أنه كان يؤيدها ويحث عليها من وراء الستار.

كانت مهمة الفريق الأول إرهاب الفلسطينيين ليضطروا إلى النزوح عن وطنهم تحت وطأة الإرهاب. وكان في طليعة قادته شامير الذي أصبح -فيما بعد- رئيس وزراء للكيان الصهيوني، وبيجن، الذي أصبح - فيما بعد- أيضاً رئيساً لوزراء ذلك الكيان، كما نال الرئيس السادات جائزة نوبل للسلام جزاء على عمل كان من نتائجه نجاح الصهاينة في إخراج مصر من ميدان المواجهة مع الدولة الصهيونية المغتصبة لفلسطين وبعض الأراضي العربية الأخرى.

وكانت مهمة الفريق الصهيوني الثاني، المتظاهر خداعاً بأنه لم يكن شريكاً في ارتكاب الجرائم المشار إليها، أن يحاول تضليل الرأي العام في الدول ذات المكانة في العالم لكسبه إلى جانبهم لتحقيق أهدافهم، وهي أهداف في طليعتها الاعتراف بشرعية اغتصابهم لما اغتصبوه من أرض فلسطين، وكان في طليعة قادة هذا الفريق بن جوريون وأبا إيبان.

ولقد نجح الفريق الصهيوني الأول المرتكب بوضوح ومباشرة في أداء مهمته نجاحاً كبيراً، فكان ما كان من اضطرار كثير من الفلسطينيين إلى النزوح عن وطنهم مشردين بائسين، ونجح الفريق الصهيوني في كسب وقوف زعماء الدول المهيمنة في العالم - وفي طليعتها أمريكا- إلى جانبهم. ومن المعروف أن تلك الدول: لا سيما أمريكا، هي المسيّرة لهيئة الأمم المتحدة وفق إرادتها؛ فكان ما كان من موافقة تلك الهيئة الدولية على الاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني على أرض فلسطين دولة اسمها إسرائيل.

وما كانت معالم مهارة الصهاينة لتَقلّ بعد إقامتهم كيانهم على أرض فلسطين. فقد راح مجرمو زعمائهم يخادعون العالم بأنهم دعاة سلام، مع استمرارهم في ارتكاب العدوان على العرب بعامة وعلى الفلسطينيين بخاصة، وتداول زعامتهم العدوانية بطبيعتها كل من قادة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وقادة أولئك الذين كانوا يضللون العالم خداعاً بأنهم مسالمون، وإذا كانت زعامات الفريقين الصهيونيين متفقة هدفاً قبل إقامة الكيان الصهيوني، وإن بدت -وفق سياسة ماهرة ماكرة- مختلفة أسلوباً أمام الآخرين، فإن تلك الزعامات أدركت، بعد إقامة ذلك الكيان واعتراف الدول المهيمنة عالمياً به، أنه لم تعد هناك حاجة إلى استمرار ظهور وجهين للسياسة الصهيونية، وإن كان الوجهان لعملة واحدة؛ لذلك راح كل من الفريقين يرتكبون الإرهاب بشكل مكشوف، لا فرق بين من ينتمون إلى حزب العمل، وأغلبهم من الفريق المضلل المتظاهر بالدعوة إلى السلم سابقاً، ومن ينتمون إلى حزب الليكود، وأغلبهم من الفريق الذي كان إرهابه مكشوفاً. فالجرائم المرتكبة في ظل رئاسة بيريز للوزارة الصهيونية - مثلاً - معروفة بشعة، وهو من حزب العمل. والجرائم التي ارتكبت في ظل رئاسة رابين - وهو من حزب العمل أيضاً - لتلك الوزارة ليست مجهولة، وما ارتكبه باراك العمالي شخصياً قبل وصوله إلى تلك الرئاسة، ثم ما ارتكب في - في ظل رئاسته لا يتجاهلها إلا من طبع الله على قلبه وسمعه وبصره. وما ارتكب من جرائم في ظل الوزارات الصهيونية التي رأسها من ينتمون إلى حزب الليكود أمثال بيجن وشامير وشارون وخليفته أولمرت - وإن اختارا أخيراً اسماً جديداً لحزبهما- لا يختلف جوهراً إجرامياً عن ذلك الذي اتبع على أيدي قادة ينتمون إلى حزب العمل.

ورئيس وزراء الكيان الصهيوني الحالي، نتنياهو، لا يختلف طبيعة ومنهجاً في ارتكاب الجرائم عن الآخرين من الزعماء الصهاينة، وإن بدا هو وبعض فريقه الوزاري أكثر صلفاً عن أولئك الآخرين.

إن من الواضح أن زعماء الصهاينة متحدون هدفاً، وإن اختلفوا ظاهرياً من حيث الأسلوب في مرحلة من المراحل اقتفت المهارة الصهيونية أن يكونوا فيها كذلك، فلما انتهت تلك المرحلة اتحد الأسلوب، أيضاً، كما اتحد الهدف.

على أن من الواضح، أيضاً، أن قادة العرب كانوا غير متحدين هدفاً ولا متفقين أسلوباً، إلا في مرحلة قصيرة كانت ثمرة لمؤتمر الخرطوم، الذي انعقد بعد نكسة عام 1967م. ثم كان ما كان من بداية التنازلات، عربياً وفلسطينيا، وكل تنازل عربي أو فلسطيني قاد- بطبيعة الحال- إلى تمسك صهيوني بالثوابت المتفق عليها من جميع الأحزاب الصهيونية، بل وإلى ترسيخ تلك الثوابت وتوسيع مداها. وأصبح في مقدور نتنياهو وفريقه أن يعلن صراحة وصفاقة التمسك بما يأتي:

لا حق للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، ولا عودة إلى حدود عام 1967م ولا مجال لتقسيم القدس، بل ستظل موحدة تحت الحكم الصهيوني، ولا مكان لدولة فلسطينية يصدق عليها اسم الدولة، بل ستكون تحت السيطرة الصهيونية، جواً وحدوداً وطبيعة ممارسة، وتكون بمثابة حرس للصهاينة ضد أي حركة مقاومة فلسطينية، تماماً كما هي عليه الحال في الضفة الغربية الآن. وإضافة إلى ذلك كله، لا وقف عن التوسع في بناء المستعمرات الاستيطانية الصهيونية على حساب ما بقي من أراضي فلسطين، ولابد من الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وهو أمر يتوقع أن يكون توطئة لترحيل الفلسطينيين الذي بقوا في أرضهم بعد حرب 1948م. وإمعاناً في التهويد الفعلي -إضافة إلى تهويد الأرض- قرر الصهاينة إزالة الأسماء العربية للطرق الموجودة إلى جانب الأسماء العبرية، على أن ما أعلنه نتنياهو - رغم فداحة مدلوله- لم يجد معارضة ممن يدعون أنهم مدافعون عن حقوق الإنسان من زعماء الغرب، وفي طليعتهم زعماء أمريكا، بل إن هناك من الزعماء من أشادوا بموقف الصهيوني نتنياهو، ومن اللافت للنظر أن وزيرة الخارجية الأمريكية في آخر تصريحاتها عن قضية فلسطين لم تخرج من حيث الجوهر عن الأسس التي أعلنها نتنياهو بل إنها - خدمة لحلفائها الحقيقيين من الصهاينة- راحت تكرر تعهدها، الذي لا يمكن أن يناله أي اهتزاز، بأمن الكيان الصيهوني، وتطالب قادة العرب أن يبدوا تنازلات أكثر مما أبدوا، وأن يدجنوا شعوبهم أكثر فأكثر ليأخذوا الصهاينة بالأحضان..

ماذا بقي من القضية الفلسطينية؟ انحصرت كلها في سؤال واحد هو:

هل يستمر الصهاينة في توسيع بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة عام 1967م أو يتوقفون عدة أسابيع قبل استئناف البناء مرة أخرى؟

كل ما قاله السيد عريقات عقب سماعه خطاب نتنياهو مباشرة من قول محق ذهب أدراج الرياح، ولم تعد الزعامة التي هو من أركانها تشترط لمعاودة المفاوضات إلا الوعد بإيقاف بناء المستعمرات.

في ظل ما سبق كله: هل يلام نتيناهو إذا اتخذ الموقف الذي اتخذه، واتسم بالصلف الذي اتسم به؟

إن من بين من لا يلومونه على موقفه كاتب هذه السطور، الذي أصبح يرى أن من يحاول إسماع المتنفذين من أمته صوت الكرامة أشبه ما يكون بمن يحاول إيقاظ من هم في القبور.

وإلى الله عاقبة الأمور.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد