Al Jazirah NewsPaper Monday  20/07/2009 G Issue 13444
الأثنين 27 رجب 1430   العدد  13444
بين الكلمات
بكائية السلام العربي
عبدالعزيز السماري

 

نعيش منذ عقود في خيارات لم يحدث وإن اجتمع عليها العرب في موقف موحد، شعار الحرب وخيار السلام في المنطقة، ومصير فلسطين القضية والحروب العربية الإسرائيلية، وأمنية الصلاة في المسجد الأقصى محرراً، ثم أخيراً التسليم ودخول عصر الصلح من طرف واحد مع أطراف النزاع في قضية العرب الأولى، ثم رمي جميع الأوراق على طاولة الخصم والحكم، وقد وصل موقف بعض الأطراف من الخيار الأول إلى تبني منطق السخرية من ثقافة مقاومة المحتل، وصار الحديث عن استرداد الأراضي العربية وإعادة الحقوق للشعب العربي المهجر من أراضيه محل استهزاء عند مؤيدي خيار السلام، وسأجد لهم العذر كاملاً في سخريتهم إذا بالفعل تمت استعادة الحقوق العربية في فلسطين والعراق من خلال اتجاه التسليم بالقدر الغربي وقدرته في تحقيق السلام العادل..

منذ حرب الخليج الثانية يكرر بعض المثقفين والسياسيين العرب أطروحاتهم عن مبدأ إنهاء الصراع الحضاري مع الغرب، والعمل على توثيق العلاقات الإنسانية معه، ورفع مستويات الثقة بين الغرب والإسلام، وهي رؤية إيجابية إذا كان الغرض منه تجاوز مراحل الصراع التاريخية بين الحضارتين، وبالفعل نجح هذا التيار في فرض الاتجاه السلمي وقيادة دفة الحوار مع الغرب في العصر الحاضر، و يؤمن هذا التيار أن العلاقة مع الغرب حتمية، ولا بد من تفكيك الملفات الشائكة معه في المنطقة، و قبول أن الغرب يمثل ذروة الحداثة والعقلانية الإنسانية، وأنه إذا أوقفنا تصرفاتنا العنترية ستقوم الحكمة الغربية بالمهمة الصعبة التي عجزنا عن تحقيقها من خلال المقاومة، وستحل أزماتنا السياسية مع حلفائه في المنطقة..

يبدو أن الأمر سار في هذا الاتجاه طويلاً إذ تم تسليم ملف قضية فلسطين كاملاً لهم واختار العرب والمسلمون ألا يتدخلوا في تفاصيل القضية، وأن يتركوا حلها كاملا في يد الغرب، وأن يقوم بجميع الأدوار، كذلك انصاعوا تماماً لخيارات أمريكا في العراق وأفغانستان، والتزموا الصمت وقفوا في الحياد ينتظرون النتائج من بعد،.. وما زال المؤمنون بالاتجاه الحتمي ينتظرون الحل السلمي المنتظر من الغرب لأزمة المواطنين العرب المشردين والمهجرين في الخيام على أراضي الدول العربية المجاورة منذ أكثر من نصف قرن..

المدهش في الأمر أن بعض الدول التي تطالب بالحلول السلمية على الطريقة الغربية، ما زالوا يرفضون منح الجنسية للفلسطينيين الذي يسكنون لاجئين على أراضيها، وأن يمنحوهم حقوق المواطن، ويعتبرون هذه الخطوة خطرا ديموغرافيا على أمنهم السياسي والاجتماعي، وهو ما يتعارض مع مواقفهم الملتزمة بالحياد السياسي في قضية فلسطين، في حين أن الغرب من خلال الموقف الأوروبي والأمريكي يكرر مواقفه من القضية كثيراً، وأن الحل لا يمكن أن ينفذ بدون التنازل عن حق الرجوع إلى أرض فلسطين، أو يتم ابتلاع الأرض تدريجياً عبر توسيع المستوطنات، وقد يصاحبها لغة عتاب رقيقة وغير مؤثرة في سير الأحداث على الأرض من عراب السلام المزعوم..

كذلك مازلت أجد بعض الصعوبة في فهم مصطلح الشرق والغرب كمحورين للصراع الدائم، واللذين حسب وجهة نظري لا يمثلان الاتجاه الحقيقي للصراع في الماضي والحاضر، فالمحور الذي دائما ما كان وما زال في صراع محتد منذ القدم هو محور الشمال والجنوب، فالصراع الذي يمتد إلى تاريخ العرب قبل الإسلام هو مع الشمال، ولم يكن في أي من الأزمنة مع الشرق الآسيوي أو الغرب الإفريقي، والذين كانوا على وفاق مع العرب من قبل و بعد الحضارة الإسلامية..والتي كانت دائما ما تتسم علاقاتهم بالاحترام وبالتبادل الثقافي، وبالامتداد الديموغرافي في اتجاهات الشرق والغرب..

بينما هو العكس تماما في العلاقات مع الشمال الذي استمر تاريخاً محتداً بالصراع منذ كنعان وإسماعيل، و منذ أيام الرومان قبل الإسلام، و حروب العرب ضدهم بعد الإسلام، وإلى دخول العرب والمسلميين إلى أوروبا، ثم الغزوات الصليبية، وفترات الاستعمار الأوروبي للعالم العربي، وأخيراً الهمينة الأمريكية التي تمثل امتداداً لحلقة الصراع التاريخية الشمال الأوروبي..... ولم يحدث طوال التاريخ أن هيمن السلام على محور الشمال والجنوب لفترات طويلة، وإن حدثت تكون من خلال استعمار أحدهما للآخر..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد