منذ أن بزغ نجم المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والعلم والإيمان وهي ترعى العلم والعلماء، وتوفر وسائل العلم وأدواته بقدر المستطاع والممكن.. على ما كان من شح في الموارد فيما مضى وصعوبة بالغة في توفير تلك الوسائل والأدوات.
ولما أذن الله تعالى بتوافر الموارد المالية للدولة والأفراد تضاعفت تلك الجهود وكثرت صورها الناصعة، ورأينا سيلاً من العطاء بلا حدود والدعم السخي للعلم والمشتغلين به صغاراً وكباراً.
وإذا كان المقال الصحفي يعجز عن الإلمام بالجهود التي بذلت وتبذل في نشر العلم عامة وتشجيع أهله، فإن ما سأذكره هو أمثلة وإشارات مختصرة لجهود كبيرة رأيناها ونعم بها الداني والقاصي.
فقد بدأت تلك الجهود منذ أن أسس أسد الجزيرة هذا الصرح الشامخ فألّف الملك عبدالعزيز ودعّم كتب العلم وبخاصة العلم الشرعي، ثم جاء بعده الملك سعود فأمر بطباعة بعض كتب العلم الشرعي وتوزيعها على نفقته.. وجاء بعده الملك فيصل والملك خالد والملك فهد، فكان كل واحد منهم يأمر بطباعة عدد من الكتب وتوزيعها على طلبة العلم في داخل المملكة العربية والسعودية وخارجها. رحم الله الملك عبدالعزيز وأبناءه رحمة واسعة.
وقد بدأ دعم الملك عبدالله للعلم وأهله قبل أن يتولى الملك؛ فقد أمر بطباعة عدد كبير من الكتب على نفقته الخاصة وهو ولي للعهد، وتولى الحرس الوطني متابعة طباعتها وتوزيعها على المستحقين لها، ثم توالى عطاؤه ودعمه بعد أن أصبح ملكاً للبلاد، وكذلك كان ولي عهده - حفظهما الله - فإن الأمير سلطان يعد من أكبر الداعمين والمشجعين للعلم وأهله والمشاركين بسخاء في طباعة ونشر الكتاب النافع.
أما جهود المؤسسات الحكومية والأهلية فهي مما يصعب حصرها والإلمام بها، وحسبنا هنا إشارات مختصرة وأمثلة معدودة تنبئ عن غيرها وتدل عليه.
فأول تلك المؤسسات الحكومية رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء.. فقد بدأت هذه المؤسسة المباركة في طباعة ونشر كتب العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وكان لمؤسسها الشيخ محمد بن إبراهيم وتلميذه عبدالعزيز بن باز في ذلك جهود لا تُنسى، وقد طبعت هذه المؤسسة ونشرت ووزعت آلاف الكتب في أنحاء الأرض، ونفع الله بتلك الكتب؛ حيث وصلت إلى أنحاء الأرض عامة، وفي دول كثيرة أنقذ الله بتلك الكتب الكثير من الضلالة، ونشرت علوماً كثيرة ورفعت اسم المملكة بلد التوحيد والإيمان لتكون مصدر إشعاع علمي وثقافي ومنبر هداية وإصلاح.
وفي السطور الآتية أذكر نماذج من الكتب التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأول كتاب أعرض له هنا هو كتاب: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ويشتمل الكتاب على:
1 - فتاوى عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب المتوفى 1285هـ.
2 - فتاوى حمد بن نصار بن عثمان بن معمر.
3 - فتاوى عبدالله بن عبدالرحمن أبي بطين المتوفى 1282هـ.
وطبع الكتاب سنة 1344هـ، وكان ذلك قبل إعلان اسم المملكة العربية السعودية، حيث كتب على الكتاب (طبع على نفقة صاحب الجلالة السعودية ومحيي السنة المحمدية الإمام عبدالعزيز آل سعود ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها أيده الله تعالى)، وجاء الكتاب في 455 صفحة.
ومن الكتب التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً في جوامع الكلم تأليف: عبدالرحمن بن شهاب الدين بن رجب من علماء القرن الثامن الهجري. ثم أعيد طبعه بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة على نفقة الملك فهد - رحمه الله - سنة 1419هـ في مجلدين.
ومن الكتب التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز كتاب: عرش الرحمن وما ورد فيه من الآيات والأحاديث تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية، وأُعيدت طباعته بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة على نفقة الملك فهد - رحمه الله -. ويطول الحديث لو تتبعنا كل الكتب التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز. ونحن نعلم أن مكتبته الخاصة قد حوت 843 كتاباً.
أما الملك سعود فقد طبع على نفقته كتباً نفيسة منها: كتاب (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد) تأليف: حافظ بن أحمد الحكمي. وطبع على غلافه: طبع على نفقة جلالة إمام المسلمين الملك سعود بن عبدالعزيز، وطبعته المطبعة السلفية ومكتبتها في مصر في جزأين.
ولكن الكتاب الذي شرف الملك سعود بأن طُبعت على نفقته أول طبعة له هو: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد. وطبع من هذا الكتاب على نفقة الملك سعود تسعة وعشرين جزءاً في مطابع الرياض سنة 1383هـ.
ولما أتم الشيخان عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد الأجزاء من 30 - 37 وهو جزء الفهارس، أمر الملك فيصل بطباعة هذه الأجزاء الثمانية في مطابع الحكومة في مكة المكرمة.
وبذلك وصل الكتاب كاملاً إلى سبعة وثلاثين جزءاً إلى طلبة العلم والمكتبات، وكنت واحداً ممن شرفهم الله وأكرمهم بالحصول على نسخة منه توزيعاً مجانياً من رئاسة البحوث العلمية والإفتاء. رحم الله من ألّف وجمع ورتب وطبع هذا الكتاب وغفر لهم ولمن تولى توزيعه على طلبة العلم والمكتبات. وقد طبع الكتاب طبعة جديدة سنشير إليها لاحقاً بإذن الله تعالى.
ومن الكتب التي طبعت بأمر الملك فيصل رحمه الله كتاب: (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع عبدالرحمن بن قاسم. وطبع الكتاب عام 1385هـ 1965م في ثمانية أجزاء حوتها ستة مجلدات، ووزع مجاناً على طلبة العلم وقفاً لله تعالى.
وقد أكمل الملك خالد تلك المسيرة المباركة في نشر كتب العقيدة والفقه والتفسير، وكان له مساهمة كبيرة في ذلك العمل الخيري المبارك.. فمما أمر - رحمه الله - بطباعته وتوزيعه على نفقته كتاب: (مناقب الإمام أحمد بن حنبل) تأليف الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي المتوفى عام 597هـ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط2 عام 1409هـ 1988م. يقول الشيخ الدكتور عبدالله التركي في مقدمة الكتاب:
(والفضل في نشر هذه الطبعة وما سبقها لله عز وجل ثم للملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى؛ إذ ما إن علم بأن الكتاب يحقق ويعد للطبع في طبعته الأولى حتى أمر بتوزيعه على نفقته فأهدى بذلك إلى طلاب العلم والمعرفة كتاباً من أهم الكتب، وأحيا به أثراً مهما من آثار السلف الصالح. والملك خالد رحمه الله في باب الإحسان أشهر من أن يذكر؛ فهو ملك صالح، رقيق القلب.. مُحبّ للعلم والعلماء، حريص على نشر كتب السلف الصالح في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها) ص 5.
وهذه صفحات ناصعة في سجل خدمة العلم والعلماء في بلادنا الكريمة، حفظ الله بها وطننا وحمى مواطنيه من متاهات الجهل وغياهب الضلال وفتن الزمان وسيل الشهوات والشبهات. وسنقف مع صور أخرى بإذن الله تعالى في ذلك الموكب العلمي المتميز في حلقة أخرى من هذا المقال.
إعداد: عبدالعزيز بن صالح العسكر
ص.ب 190
الدلم 11992