من المقولات الرائعة لخادم الحرمين الشريفين مليكنا المفدى - حفظه الله -: (لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير. ومن هنا سوف نستمر - بإذن الله - في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني).
هذه المقولة الرائعة كما قلنا ذكّرنا بها الدكتور الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم، وذلك عبر ورقته المميزة التي ألقاها في منتدى المتدربين والمتدربات في الأسبوع الماضي، تلك الورقة التي قدمت لنا نظرية (التصميت) وملخصها (أن منع الآراء والوصاية تعطيل للعقل)، وأن النقد الفكري أصبح ركناً أساسياً من أركان التعليم في بدايته ليتشرب التلاميذ ثقافة الحوار السليم، كما أضاف سموه أن الخلاف مبدأ إنساني وكوني... الخ الخ).
أما ثقافة (التصميت) فهي التي تقود المجتمع إلى الفتن، و(التصميت) في فهمنا المتواضع هو أقل من الإخراس وأكثر من اللجم فيما يخص الحوار مع الآخر مهما كان ذلك الآخر. ولو نظرنا إلى هذه المفردة من منطلق اجتماعي ساخر بسيط لتذكرنا ثلاثة عقود عربية سوداء خلت من تاريخنا العربي، حينما كان يسيطر على (بعض) أقطارنا العربية (بعض) العسكر الطغاة الدكتاتوريين الذين فرضوا ثقافة التصميت على شعوبهم الخرساء، حتى أصبحت تلك الشعوب تفرضها على نظرائها من الشعوب العربية الأخرى حتى من خلال التعامل البريء. فكلنا نذكر ذلك المشهد الدراماتيكي الذي يصوّر مواطناً خليجياً يريد شراء حاجة من بقال في تلك الدول، وحينما لا يعجبه السعر يصرخ البائع به بلا مقدمات: (أنت تسبّ الريس!!). وبالطبع سيفزع المواطن الخليجي ويترك نقوده ومشترياته خوفاً من هذه التهمة الظالمة الغاشمة اللئيمة ويطلق ساقيه للريح، كذلك الأمر لو كنت مثقفاً تحاور مثقفاً - عربياً - مثلك وأوصلته إلى حافة القناعة التي لا يريدها، حينها سيتهمك بمعاداة نظامه السياسي والوقوف مع العدو. ذلك العدو (المطاط) حسب ذمة ذلك المثقف. كذلك يتخذ أسلوب (التصميت) بعض الجهلة وأنصاف المثقفين حينما تناقشهم بما يؤمنون به من خزعبلات وخرافات غيبية وأصبحت حالة رهابية للمجتمع، وتحاول أن تقلل من أهميتها بل تردها إلى العلم، فإذا انتشر مرض عضوي ظاهر وأصيب به أحد الجهلة وأقنعه (المشعوذون) بأن ذلك من عمل الشيطان أو السحر أو العين، ومع إيمانك الكامل بكل ما جاء في القرآن الكريم، إلا أنه يحاول ممارسة التصميت عليك إذا لم توافقه على رأي المشعوذين بتهمة الكفر والعياذ بالله، ثم يذهب المسكين يتنقل من مشعوذ إلى مشعوذ ومن دجال إلى دجال دون أن يراجع الطبيب أو العيادة النفسية. يبقى القول أخيراً سأنهي هذه المقالة بالصمت لئلا يُمارس عليّ أحد ثقافة التصميت!!