لا يمر أسبوع ولا شهر، وربَّما لا تغيب شمس يوم إلا ونُصدم بخبر تورط شخص مسلم أو جماعة إسلامية بارتكابهم لعملية إرهابية.
المتلقي الذي يسمع الخبر أو يقرؤه لا يعرف أن هذا الذي ينتسب للإسلام متشدد، أو يتخفى خلف واجهة الديانة الإسلامية، أو مرتدٍ لعباءة الإسلام زوراً، أو مضلل معتنق لأفكار ضالة، فقط يعرف أن هذا العمل الدامي الذي أسقط العشرات من الضحايا الأبرياء ارتكبه مسلم ليترسخ في أذهان وفكر ووجدان الجميع بأن المسلمين إرهابيون قساة، متوحشون، وينهض الإعلام المعادي ليرسخ أكثر ما يُسمى ب(فوبيا الإسلام).
هذه الصورة السلبية للإسلام والمسلمين وظفها أعداء الإسلام واستثمروها لتنفيذ العديد من بنود أجنداتهم التي تخدم مصالحهم السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والدينية وحتى الديمغرافية. في حين عجزنا نحن المسلمين في الحد من هذه الظاهرة وتقديم ديننا وقومنا التقديم الصحيح، كدين قويم صاحب رسالة إنسانية توحيدية سمحة، هدفه تهذيب النفس والروح والجسم معاً، ويسعى معتنقوه إلى تعميم رسالته السامية بالحوار وبالجدال الحسن. وإن كانت هناك جماعة ونفر قليل من هؤلاء الأتباع قد لجؤوا للعنف كرد فعل لما يواجهونه من ظلم واضطهاد وسلب للحقوق، فإنه في المقابل هناك آلاف الملايين غيرهم الذين يؤمنون بالإسلام كرسالة سلام ومحبة.
الملك عبد الله بن عبد العزيز عمل وفق تحرك عملي وعلمي للتعريف بالإسلام الحقيقي، وحاول من خلال إطلاق مؤتمرات الحوار بين الأديان والثقافات التي انطلقت من مكة المكرمة ثم مدريد ونيويورك، وتلقفها عدد من القادة المسلمين فعقدت مؤتمرات في تونس واستنطبول وغيرها من المدن الإسلامية والعالمية.. كان الهدف وما كان يريد تحقيقه خادم الحرمين الشريفين تقديم الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين من خلال الحوار والانفتاح على الآخر وإتاحة الفرصة للآخرين أن يعرفونا عن كثب، ولا يقتصر فهمهم للإسلام والمسلمين من خلال متابعتهم لأخبار الانفجارات وأعمال العنف التي تشهدها المناطق الإسلامية أو تلك التي يُتهم المسلمون بأنهم وراءها.
ولا شك بأن مؤتمرات الحوار ساهمت وإلى حد بعيد في تحسين الصورة الإسلامية، ولكن نحن بحاجة إلى المزيد من التحرك ومن الحوار والانفتاح على الآخرين خاصة وأن المسلمين متغلغلون في المجتمعات الدولية وجميع الأقطار، وبدلاً من أن يعكس بعض المسلمين من المتشددين في بعض الأقطار الأوروبية صورة سالبة، مثلما حصل في إسبانيا وبريطانيا وألمانيا، علينا أن نوظف الجاليات الإسلامية في تلك البلدان والمسلمين الأصليين في البلدان الأخرى لتقديم صورة الإسلام الحقيقية من خلال التزام المسلمين بأخلاقهم وولائم للأرض والوطن الذين يعيشون عليه طالما يتيح لهم ممارسة ديانتهم بحرية واحترام. فكم سيكون رائعاً لو استطاع المسلمون في أوروبا عكس صورة الإسلام والمسلمين السمحة من خلال توسيع دائرة الحوار والانفتاح على الآخر مع التمسك بجوهر الإسلام. وكيف سيكون الموقف في روسيا التي تضم 57 جماعة عرقية تدين بالإسلام من مجموع 182 جماعة عرقية. وكيف يكون الوضع في الصين والهند وكل الدول التي تضم طوائف إسلامية يشكلون تجمعات هي أقرب ما تكون إلى الأغلبية. وهذه التجمعات إذا ما أقام أبناؤها حواراً جاداً وحسناً كما يوصينا الإسلام، والتزموا بأخلاق الإسلام ووصاياه التي تحثنا أن يكون ولاؤنا إلى ديننا ووطننا، نكون قد أزلنا الترسبات التي ألحقها أعداء الإسلام بديننا وأهلنا.
jaser@al-jazirah.com.sa