إعداد : سامي اليوسف :
السلطة الرابعة.. زاوية أسبوعية نستضيف فيها أحد الزملاء الإعلاميين ونطرح عليه عددا من الأسئلة حول الأحداث والشخصيات والأندية والمواقف.
قد نتفق أو نختلف معه ولكن تبقى آراؤه تمثله شخصياً وضيفنا اليوم «الإعلامي المخضرم وعضو مجلس الشورى - سابقاً - الدكتور بدر كرّيم..» فماذا قال..
* كيف ترى الإعلام المعاصر في ظل الانفتاح الفضائي والاتصالي، وتأثير ذلك على ثقافة المجتمع بشكل عام؟
- أراه يعيش مرحلة تناقض. تراه مقبلاً تارة ومدبراً تارة أخرى، تسمع ما يشنف الإعلام والمعاصر، وهذا مآل الانفتاح والاتصالي. أتساءل: هل هذا واقع أم خيال؟ وأجيب: إنه واقع لا خيال. من يصدق أن الإعلامي المبدع أصبح الآن عملة نادرة؟ من المسؤول عن النطيحة وما أكل السبع؟ وهل يظل هذا الإعلام يراوح مكانه أم ينتقل منه إلى مكانة أعلى وأسمى؟ ولكن: هل من المعقول واللائق أن يُحمل الإعلام المعاصر الأوزار؟ متى يقوم الفرد بوصفه كائنا اتصالياً بالتغيير والتحويل؟ متى تدرك الأسرة أدوارها؟ ولماذا لا يتكامل معها دور المدرسة، والمعهد - والكلية، والجامعة، والمسجد، والجامع، وسائر المؤسسات الأهلية في المجتمع.
تسألني ما تأثير ذلك على المجتمع؟ مهلاً ألا تراه في منعطف كل طريق؟ وفي أروقة كل مؤسسة؟ إنك لن تعدم الترفيه الهابط أينما يممت وجهك شطره، ولا ترى الترفيه الرفيع المستوى إلا نادراً. لن تسمع ثقافة المجتمع الصافية الأصلية المبدعة. امتزجت بثقافة وافدة. لا أعترض على ثقافة الآخرين، وإنما أطالب بالفرز الثقافي. خذ ما ينفعك واترك ما يضرك. الثقافة الإعلامية شبه ضائعة إن لم تكن كذلك. إعلامي لم يأخذ بقدر وافر منها!! ووسيلة عاجزة عن أداء أدوارها الإيجابية!! وبينهما عاش الفرد الإعلامي تائها في صحراء قاحلة يكاد يموت من العطش، ولا يرى فيها أخضر بل يابساً. هذا تأثير الإعلام المعاصر في ظل الانفتاح الفضائي والاتصالي على ثقافة المجتمع. يا أمان الخائفين.
* من خلال ملازمتك للملك فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله- أحد عشر عاماً من عمرك الإعلامي.. كيف كان ينظر للرياضة، وأهدافها السامية، وقيمتها التربوية؟
- لم يكن الملك الشهيد (فيصل بن عبد العزيز) منتمياً لناد رياضي معين؟ بمعنى أنه لم يكن متعصباً لفريق معين. اهتماماته الرياضية - وهذا ماعرفته عنه - لا تتجاوز الإعجاب بالأداء الرياضي الممتاز، وباللاعب الرياضي المبدع، وباللقطة الرياضية الفنية من زاوية كاميرا يديرها مصور مبدع، ويلتقطها مخرج مبدع. يتذكر الجيل الرياضي السابق، أن فيصل بن عبدالعزيز أطلق على لاعب فريق الاتحاد في جدة (سعيد غراب) اسم (سعيد عقاب)؟ ما الهدف من التعديل؟ هناك فارق بين الغراب الذي يقتات الجثث، والعقاب الذي يحلق في السماء. كان العهد الرياضي للملك فيصل رحمه الله استمراراً لعهد أخيه (الملك سعود) رحمه الله. كأس للملك تتبارى عليه فرق الدرجة الأولى لكرة القدم، وآخر لولي العهد تتبارى عليه أندية الدرجة الثانية، وأرجو ألا أكون مخطئا في هذه المعلومة، وإذاكنت كذلك فليصححها لي مصحح عاش العهد آنذاك.
* طالبت بتكريم رائد الحركة الرياضية السعودية الحديثة الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتحويل معهد إعداد القادة إلى اكاديمية فيصل للعلوم الرياضية. هل ترى أن من الأهمية بمكان وجود مثل هذه الصروح العلمية في المؤسسة الرياضية، ولمواكبة حقبة العولمة العلمية، بمكوناتها ومتطلباتها؟
- نعم. مازلت أطالب بذلك، ومازلتُ أرجو أن تدرس مطالبتي الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وفيها من الرجال والشباب ممن تركوا بصمة على واقع الرياضة السعودية ومستقبلها الذي أرجو أن يكون أفضل من حاضرها. عملية التحول أرى أنها ضرورية في عصر الانفتاح الإعلامي والسماوات الفضائية المفتوحة. القادة الرياضيون هم عصب أي تقدم أو تطور رياضي، وعدم وجودهم أو إعدادهم من أكاديمية متخصصة يلغي حضورهم في الميدان، وفي الإدارة - وفي التخطيط، وفي البرمجة. اقتراحي ما زال مطروحا، والرئاسة العامة لرعاية الشباب أفضل جهة تدرسه وتناقشه، ولتختر مجموعة من الخبرات الرياضية لتشاركها الدراسة، فضلاً عن بيوت خبرة رياضية معروفة.
* عرف عنكم منذ الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت انتماؤكم لنادي الاتحاد وتشجيعه. هل مازلت تحتفظ بهذا العشق حتى الآن؟
- كنت كذلك سابقاً. أما حالياً فأنا أعيش على ماضي فريق الاتحاد. والماضي ليس شرطاً أن يكون ملائما للحاضر، كما أن المستقبل قد لا يكون امتداداً للحاضر، والمسألة مسألة إحساس بالقدرة على صنع نادٍ رياضي لا يتكئ على الكرة فحسب (ثقافة الأقدام) بل يعتمد على الفكر (ثقافة الأقلام) وشتان بين ثقافتين الأولى: تفعل فيها الأموال فعلها، والثانية يكاد لا يجد المثقفون فيها قوت يومهم ناهيك عن غدهم. آخر أخبار (العميد) التي تابعتها مؤخراً في الصحف ومن بينها (صحيفة (الجزيرة) فوز الدكتور خالد المرزوقي برئاسة الاتحاد هو ابن أسرة جداوية عريقة معروفة بحبها ل (العميد). أرجو أن تعاد له أمجاده التي بدأت في (ملعب الصبان بجدة) و(ملعب الوحدة بمكة المكرمة) و(ملعب الصائغ بالرياض) وتطورت مع شيء من التحفظ من جانبي في استاد الملك فهد بالرياض.
* في البيت الاتحادي الكل يتسابق إلى سدة الرئاسة، والزعامة. ونحن في عصر العولمة الرياضية، والاستثمارات المالية الكبيرة. هل تعتقد أن ذلك من العوامل المغرية التي دفعت هؤلاء إلى البحث عن موقع القيادة الاتحادية؟ أم ماذا؟
- قد يكون هذا وارداً وقد لا يكون. البحث عن الزعامة يصبح مكشوفاً في فضاء الرياضة إن كان عاجلاً أو آجلاً، ولا تبقى من الزعامة إلا الرائد الذي لا يكذب أهله. إن الباحثين عن زعامة الأندية الرياضية على امتداد الوطن العربي بعامة، والمجتمع السعودي بخاصة لتجد أن الباحثين عن الزعامة الشخصية فلا تجد لهم أثراً. الزمن يفرز الصالح من الطالح، والطيب من السيئ، و(الذي خبث لايخرج إلا نكدا)
* وأنت المعروف بانتمائك لعميد الأندية كيف ترى الأوضاع الحالية للنادي على صعيده الاداري؟ وماذا يحتاج حتى يكون في مستوى تطلعات عشاقه وآمالهم؟
- الانتماء كان سابقاً، وقد يعود إذا كان هناك توجه للحفاظ على مكانة (العميد) وموقعه على خارطة الأندية السعودية. ولستُ على اطلاع متواصل بأوضاع نادي الاتحاد. وما توافر عندي من معلومات مستقى من الصحف، والقائمين الرياضيين بالاتصال الذين أرجو أن يبتعدوا عن إذكاء النعرات العصبية والشقاقات الاجتماعية. ولعل الأكاديمية التي اقترحتها خير معوان لهم لتمكينهم من مواجهة هذا النمط البغيض من الإعلام الرياضي. ما تحتاج إليه الأندية الرياضية بعامة ونادي الاتحاد بخاصة كثير وكثير. أولها أن تتحول الرياضة من تكتل فئوي إلى ظاهرة اجتماعية مجتمعية. وهذه لا تحتاج إلى أموال بل إلى عقول مفكرة ومبدعة. العصر الحالي ليس عصر تفرد، إنه عصر تكتل، عصر لا مكان فيه للضعيف. المكان الآن للأفضل، والأحسن، والأجمل.
* ذكرت في لقاء لك نشر في (الجزيرة) أن المجتمع الرياضي أرض خصبة لإطلاق الشائعات. وأنت المتخصص في الشؤون الاجتماعية، كيف نعالج مثل هذه الظواهر السلبية والقضاء على إرهاصاتها؟
- ما زلتُ -يا اخ سامي - عند قولي، ولو لم يكن المجتمع الرياضي أرضا خصبة لإطلاق الشائعات لما أصبح الوضع الآن على ما هو عليه في الساحة الرياضية السعودية مرتعاً لمطلقي شائعات يستفيدون منها ليس مادياً بقدر ما يستفيدون منها معنوياُ. العلاج يكمن ببساطة في: سيادة جو رياضي نظيف صاف، ماؤه غير آسن، ونهره يجري فراتاً عذباً. هذا ليس كلاماً معسولاً، ولكنه يتحول إلى عمل جاد، يوم أن يكون هناك اقتناع بأن هذه الأجواء هي التي ينبغي أن تسود.
* كيف تقيم تجربتك المهنية في صحيفة (عكاظ) التي خضتها في الثمانينيات الميلادية بوصفك نائباُ لرئيس تحرير عكاظ (الدكتور هاشم عبده هاشم)؟ وهل أنت راض عما قدمته؟
- تجربتي المهنية في أي عمل أسندت إلي إدارته ليس من حقي تقييمها، وإلا ففي هذه الحالة إما أن أزعم أنني صنعت ما لم يصنعه الأوائل، وإما أن أقول كلاماً لا يستسيغه قلبي، وقلمي، ولساني. من عشت معهم وبينهم هم أحق الناس بالتقييم والتقويم معاً.
* الإعلامي المخضرم محمد التونسي يقود (عكاظ) في مرحلة تشهد الكثير من المنافسات الإعلامية الشرسة. هل (التونسي) قادر على مواجهة التحديات الإعلامية المستقبلية لهذه المطبوعة العريقة؟
- محمد التونسي ليس جديداً على ساحة الإعلام السعودي، وأتمنى له كما تمنيت من قبل معالي وزير الثقافة والإعلام (الدكتور عبد العزيز خوجه) أن يهيئ الله له البطانة الصالحة التي تدله على الخير فيفعله، وعلى الشر فيجتنه. بلاء الإعلامي وشفاؤه يكون عادة بعد توفيق الله من البطانة. وأزعم أن التعامل الإعلامي الصحفي الراقي، البعيد عن أسلوب التكبر والاستعلاء، أجدر بأن تسود بين الصحيفة والمتعاملين معها، واسألوا من تعاملوا ويتعاملون معها، فبعضهم لا يتورع عن التجاوب السريع. وبعضهم يهمل. ولله في خلقه شؤون.
* حصلتم على شهادة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بعد تقاعدكم الوظيفي.. ما الدافع الذي جعلكم تهرولون في مضمار العلم الأكاديمي، وأنتم على مشارف السبعين عاما، رغم ما حققتموه من مواقع وظيفية، وشورية، ومهنية مرموقة في حياتكم العامة؟
- التقاعد لمن يجيد استخدامه والاستفادة منه، فرصة للهرولة في مضمار العلم الأكاديمي. أحمد الله أن حصلت على الشهادة الابتدائية وأنا مذيع بسيط، كان أمي الشهادات فمحا عنه الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ - رحمه الله - (يوم أن كان وزيراً للمعارف) أمية الشهادات، وكان علي لزاماً بعدها أن أواصل الركض أو إن شئت كما أسميتها (الهرولة في مضمار العلم الأكاديمي) وهل هناك أشرف وأكرم من هرولة في هذا المضمار. حصلت على الدكتوراه ليس من باب المغنم أو المطمع والله على ما أقول شهيد. حصلت عليها رغبة في الاستزادة من علم أنتفع به. وساندني في هذه المهمة الصعبة أستاذي وموجهي ومشرفي (الأستاذ الدكتور فهد بن عبد العزيز العسكر) أما البحث بواسطتها عن وظيفة، فماذا عساي أكون بعد عمر السبعين؟
* كتبت في أحد مقالاتك الاجتماعية أن المجتمع ينبغي أن يكون وفياً مع رموزه، ورجاله الذين خدموا الوطن في المجالات: الإعلامية، والرياضية، والثقافية، والاجتماعية.هل تخشى بالفعل أن يتحول المجتمع الرياضي تحديداً إلى مجتمع نكار، يتنكر لرموزه الذين خدموا الرياضة، وبعضهم وجد نفسه في أحضان المعاناة، والظروف القاسية صحياً، ومادياً، ومعنوياً.!؟
- أزعم أنني من المتفائلين دوما. مصدر هذا التفاؤل ما أراه وألمسه من وفاء القيادة السعودية لمن خدموا الوطن. قل أن تجد من خدم وطنه دون أن يقدر، أو يكرم. الوفاء صفة إنسانية تعلو على كل الصفات من وجهة نظري. وإذا انعدم الوفاء بين الناس فبشرهم بالفرقة، والتشتت، والضياع. وإذاعلا الوفاء بين الناس فبشرهم بالمحبة، وصفاء النفوس، وسلامة الأبدان. أرجو ألا يكون الوسط الرياضي نكاراً أو متنكراً لمن أفنوا حياتهم في تثبيت دعائم الرياضة السعودية هل أرجو المستحيل؟ لا أعتقد ذلك إذا صحت الهمم والعزائم.
* الزميل خالد الدوس طرح عبر صحيفة (الجزيرة) تحقيقاً علمياً متميزاً حول البحث العلمي وغيابه عن المؤسسة الرياضية. وقد تباينت الآراء حول علاج القضايا الرياضية في قالبها العلمي، بعيداً عن الاعتماد على الخبرة السلبية، والاجتهادات الفوضوية. برأيك كأكاديمي، ورياضي سابق، هل تؤيد وجود مثل هذه المراكز البحثية، في قطاع يرعى شريحة من التركيبة الديموغرافية، تمثل ما نسبته (58 %) من سكان المجتمع السعودي؟
- اتهم الوسط الرياضي السعودي بغياب البحث العلمي عن أجوائه، وهي حقيقة ينبغي أن يواجهها. فملايين الريالات التي تصرف على احتكار أو شراء لاعب يكفي جزء منها لإجراء بحث علمي رياضي، يتفتح آفاقاً واسعة أمام صانعي القرار الرياضي. كل المجتمعات الرياضية تهتم بالبحث العلمي، وتأخذ بيد أبنائها والباحثين العلميين منهم. لم لا يكون المجتمع الرياضي السعودي كذلك؟ لا تنقصه الأموال، ولا العقول، ولا الرجال، ولا المراكز البحثية. تنقصه إدارة رياضية تدرك أبعاد ما يتوخاه البحث العلمي، وتأثيره على حاضر الرياضة السعودية ومستقبلها.
* ما آخر إنتاجك الإعلامي؟
- مولود جديد (كلام في فلك الإعلام) يعرض في غضون أيام قلائل في أسواق النشر والتوزيع السعودية، فهل من مشتر أم ترد بضاعتي إلي. كما ردتها شركة (العبيكان) في الرياض التي أعتز بوجود رجل حسن الخلق فيها (الشيخ فهد العبيكان). الشكوى لغير الله مذلة.
* ماذا تقول لهؤلاء:
الأمير خالد الفيصل:
- ما سمعته في مجلسك عن آمالك وأحلامك إزاء محافظة جدة أتمنى أن تتحقق في غضون سنوات لا تطول.
الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام:
- استفت قلبك فيما تريد أن تفعل، بعد الاتكال على الله، والاعتماد عليه.
خالد المالك:
- هل مازلت عند رأيك في أن الصحافة المطبوعة تبقى في ظل انتشار وسائل إعلام حديثة، ومتطورة، وسريعة؟
الدكتور هاشم عبده هاشم:
- كنت ذرب اللسان في لقائك مع الإعلامي المعروف عبد العزيز القاسم.
تركي العبد الله السديري:
- الوفاء بالوعد.
محمد الوعيل:
- (اليوم) أحسن من أمس وغداً أحسن من (اليوم).