لا أشك أن الرياضة مهمَّة وأنَّ انتشارها وشيوع ثقافتها الهادفة مطلب مهم لتهذيب الأنفس والأبدان وطرد الداء عن الجسد وهي مهمة للرجال والنساء إذا لم تخالف ديناً أو تخدش ذوقاً لاسيما ونحن في مجتمع انتشرت فيه أمراض الرفاهية والترهل من السكري والضغط وارتفاع الكلسترول والجلطة وغيرها.
|
إلاَّ أنه كانت ومازالت بعض أحاديث تراود الذهن بين حين وآخر عن الرياضة وكثرة حديث الناس عنها وشغف الأنفس بها وإلى أي مدى وصل اهتمام المجتمع بها من الرجال والنساء وشتى الأعمار وحدث أن أذكى هذه الأحاديث والخواطر حديثٌ لطيف مع أخي الحبيب الأستاذ محمد مبارك الدوسري والذي جمع في حياته بين أن يكون معلماً لمادة علم النفس وبين الهوى الرياضي وقد تساءلتُ أمامه ومازلت أتساءل أمام القراء الكرام عن المكانة التي تسنَّمتها الرياضة وبالأخص (كرة القدم) في زماننا ولماذا لا يكاد يفتر الحديث عنها، والانشغال بها؟ لا في مجلس العمل ولا في المناسبات ولا على شاشات التلفزة بأنواعها المتاحة والمشفرة؟ ولماذا أصبحت ذات طابع حاضر ملموس في المجتمع فإذا مشينا في الطرق السريعة والمكتظة ووجدنا خفَّة الزحام علمنا أنَّ هناك مباراة حامية الوطيس وقد عكف الناس على مشاهدتها! وحين نرى شباباً متهورين في قيادة السيارات رافعين للرايات والأعلام نعلم أنَّ فريقاً قد ربح مباراةً أو بطولة! وحين يغيب شخص عن أصحابه وجلاَّسه يقال عنه لعله متأثراً بهزيمة فريقه! وحين تسمع النقاش يحتد بين اثنين تدنو فإذا الخلاف يدور حول لاعب أو فريق هذا من شيعته وهذا من عدوه!! وقد يصل الحد إلى أبعد من ذلك مما لا يغيب عن القارئ الكريم.
|
فيعجب المرء لذلك أيَّما عجب وتدرك مدى ضرب الرياضة للقلوب فتذكر صوت غناء المغني الشعبي واصفاً أثر محبوبته عليه بأنه ضرب شديد لا يحتمل حين قال:
|
أنا شكيت من البلا والبلا أنتي |
لا والله اللي منك راسي شاب |
عليك قلبي راح ضربة بلنتي |
ضربة بلنتي من سعيد غراب |
والذي نراه أن الرياضة ضربت القلوب أشد من ضربات سعيد غراب، بل إنها أصمت وأعمت، ومن الحب ما قتل.
|
لكن المستغرب هو لماذا كل هذا الحديث عن الرياضة وعن كرة القدم خاصة ولماذا هذا التعصب المقيت؟ وهل الرياضات المفيدة محصورة في كرة القدم وتشجيعها والانشغال بها؟ إذا كنا نعترف بأهمية الرياضة وحاجة المجتمع إليها فلماذا نحصر الاهتمام في كرة القدم وهل هي كل الرياضة وهل هي مغنية عن رياضات أخرى مهمشة كالسباحة والتي أرجو أن نرى اليوم الذي يكون في كل مدرسة من مدارسنا مسبح لتعليم الناشئة تلك الرياضة التي إذا وقع الإنسان في مأزق الغرق لم يكن ليجد أحداً ينوب عنه في ذلك؟
|
هل كرة القدم مغنية عن رياضة المشي؟ والتي تكاد تكون الرياضة التي يجيدها الجميع ومع ذلك فلا تجد أفراد المجتمع ينشط إليها ولا تجد أماكن مخصصة للمشاة إلا قليلا!! وغير ذلك كثير...
|
هل مشاكل الأمة والوطن محصورة في كرة القدم؟ وهل هذا الهوى في محله؟ وهل استكملت الأمة جوانب أخرى في حياتها مما سوى الرياضة؟ إن الدعوة إلى نقد مظاهر الرياضة في زماننا هذا ليس معناه الاعتراض عليها فالرياضة كما أسلفت مطلوبة ومهمة وإنما نحن ضد التعصب المقيت لها والمغالاة فيها والهوس بها وكأنَّ الخلق ما خلقت إلا لها وهو ما يسميه مفكر العصر الدكتور مصطفى محمود (جنون الرياضة).
|
لماذا كل هذه السلبيات اليوم في وضع الرياضة وكرة القدم؟ والتي أصبحت تخلق مشاكل تطال الأنفس والصدور وعلاقة أفراد المجتمع فيما بينهم وإن تعجب فعجبٌ لأخ يتشاجر مع أخيه في سبيل ذلك حتى يصل الأمر إلى قسم الشرطة!!
|
ألسنا بحاجة إلى رياضات وهوايات أخرى؟ بل إلى زاد يستزيد المجتمع منه في طريق حياته وطريق رفعة وطنه وعلى رأس تلك الأمور القراءة والتي كان الأمر بها أول لفظ أمر به وأنزل في الكتاب العزيز.
|
أين أفراد الأمة اليوم من رياضة البحث والتنقيب عن المعارف والعلوم والفنون النافعة والتي لمَّا اهتم بها غيرنا من الأمم ملكوا القوة الرابحة وأصبحت لهم السيطرة علينا..
|
إن الذي أتمناه أن لا تخرج الرياضة عن مقصدها النافع والنبيل في تربية العقول والأبدان وتعويد النفس على تحمّل المشاق لا أن تكون فتنة ووبالاً ومحور حديث الحياة وقد قيل في المثل: ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. ويقابله في المثل الشعبي: ما زاد سمج.
|
إنني أتوسم في إخوتي المتابعين للرياضة ولكرة القدم خاصة أن يدركوا أن بعض رجالات الرياضة السابقين من أبناء الوطن وغيرهم كانوا مضرب المثل في العلم والثقافة والخلق والاستقامة ولم تكن الرياضة باب شقاء عليهم أو تقييداً لهم عن البحث عن معالي الأمور وشق طريق المستقبل فليكن هؤلاء قدوة كما نرجو إن شاء الله أن هذا موجود فيمن بعدهم.
|
ويطيب لي هنا أن أتقدم للإخوة القائمين على صفحات رياضة الجزيرة أن يجعلوا في إحدى زواياها حيزاً مناسبا لتراجم بعض أعلام الرياضة الأفاضل من الوطن وخارجه ممن يجمع بين الرياضة وبين غيرها من العلوم النافعة والمهن المختلفة أو حتى السيرة الحسنة، وإلى رياضة هادفة سامية في الحق والنهضة.
|
|