تُطالعنا صحفنا المحلية يومياً مشحونة بما يكتبه الكاتبون وآل الأمر ببعض الكاتبين الأفاضل إلى الفُتيا العشوائية بما يراه هو بعيداً عن نصوص الشريعة ومقتضاها فمنهم من يدعو إلى خفض أصوات الأذان معللاً ذلك بالمرضى والأطفال وأقول إن واقع الحال يتطلب رفع صوت المؤذن بحكم ازدحام السكان والأسواق ولجيج أصوات السيارات وغير ذلك من حركة بني آدم الصاخبة، وجميل أن يعلو ذكر الله تعالى على حين غفلة الغافلين وشغل الشاغلين فيعرف وقت الصلاة ولوزارة الشؤون الإسلامية الحق في تنظيم أصوات المساجد المتقاربة بصوت لا يختلط بغيره والمستشفيات كفيلة بمن كان مريضاً وليست غُرف المساكن ببعيدة عن مراقبة الأطباء وأطفال واقعنا الحاضر لا يستيقظون من سباتهم العميق إلا بالمشقة كما لا يخفى فلا يُتخذ هذا مبرراً لخفض الأذان.
ومن كُتاب الصحف من يدعو إلى إقفال المحلات التجارية بسبب وجود النساء وأقول إن الأسواق مكتظة بمصليات النساء ثم إن الأوقات الأخرى فيها سعة للنساء المتسوقات أول النهار وبعد العصر في غير أوقات الصلاة، وقد شرَّف الله هذه المملكة بإقفال المحلات التجارية والإقبال على أداء أعظم ركن في الإسلام بعد الشهادتين بحيث لا تُلهي التجارة أصحابها عن هذا الذكر فيصيروا من الخاسرين، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (9) سورة المنافقون، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بالصلاة يا بلال).
ومن إخوتنا الكاتبين من يتخذ بعض الهفوات لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفذاً للطعن في رجال هذا القطاع المهم الذين تُحفظ بهم أعراض المسلمين وحماية المستضعفين من عبث العابثين واغتصاب الآمنين لأن الأمن هو الأمر الجليل الذي تحرص عليه حكومة خادم الحرمين الشريفين على اختلاف قطاعاتها في كل زمان وكل مكان فلا يجوز لبعض كتاب الصحف أن يطعنوا في رجال الحسبة ويتخذ ذلك وسيلة لعزلهم عن مصالح البلاد والعباد والأمن من الفساد.
ومن كُتَّاب الصحف من يُفتي ويقول إن بناء المساجد على الطرق بدعة إلا إذا كان المسجد ضمن محطات الوقود وقال - هداه الله - إن بناء هذه المساجد أقرب إلى البدعة من السنة. وأقول ليس الفتوى بالتشهي ولا الرأي الذي لا أصل له في الدين، أما بناء المساجد البرية في الفيافي والطرقات فله أصل في ديننا الحنيف لأن ذلك داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاه بنى الله له بيتناً في الجنة). وبناء المساجد على طريق المسافرين أمرٌ يُذكر ولا يُنكر حيث إن هذا دأب المسلمين من عصر النبوة إلى وقتنا الحاضر وجميلٌ أن يفعل الخير فاعله بتغطية تلك المساجد البرية بسياج يُكن العابرين من حرارة الشمس ومن العواصف الرملية والأمطار الغزيرة وحتى يؤدي الصلاة في طمأنينة وخشوع وجملة القول إنه يجب على إخوتنا الكاتبين أن يَدعوا المطايا لحاديها ويتركوا القوس لباريها والفُتيا لعلمائها إضافة إلى جهة الاختصاص بالنظر في هذه الأمور فعندنا دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء وعندنا مجلس القضاء وعندنا مجلس الشورى ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد هذه الجهات ليست بغافلة عمَّا ينوه عنه الكاتبون ويتجرأ على فتواه غير أهلها والذي يظهر من كلام بعض الكتبة الأفاضل ابتغاء الشهرة ويصف نفسه بأنه باحث شرعي في حين أن الباحث في النصوص الشرعية يجب عليه أن يظهر بمظهر تطبيق النصوص كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
وكما قيل: (وعالمٌ بعلمه لم يعملن مُعذَّبٌ من قبلِ عُبَّاد الوثن).
أسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
* جدة