يسير بهدوء.. يتحدث بأناة.. يناقش بموضوعية.. يكظم غيظه.. يراجع انفعالاته.. يعفو عمن أساء إليه.. يبحث عن الحق.. يفيض على الآخرين من حبه، ينجح في بناء حياة سعيدة.. ويتواصل نجاحه.. يبني مستقبلا زاهرا.. يكثر حاسدوه.. لا يلتفت لكلام شائن.. يثني عليه العاملون معه.. يزداد تواضعا وقربا.. وتشيع أخباره وجمال أفعاله.. وتمتد سلسلة من الأفعال الجميلة والخصال الجليلة التي لو اجتمعت في نفس لكان ملاكا من السماء وليس بشرا على الأرض.
فهل نطيق أنا وأنت ومن حولنا أن نتصف بهذا؟
إن الإجابة سهلة، لكن الوصف الكبير لا تحمله إلا النفوس الكبيرة، فها هي السكينة في ثوبها القشيب.. وعنوانها المجيد.. تتنزل على نبينا الخاتم الذي ختم الله به علم الأولين والآخرين، وزهت به أفعال العلماء وأناة الحكماء.. إنها السكينة، فهل هي للرسول خاصة؟ أم للمسلمين عامة؟
قال تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (26) سورة الفتح، فالسكينة هي دواء القلوب وجمال الأخلاق وصناعة الحياة.. ومن نعم الله علينا أن جعل السكينة مفتاحاً لخيرية الأمة من نبيها إلى من اتصف بها من أتباعه المسلمين إلى قيام الساعة.
فالسكينة هي الأناة هي الحلم هي الهدوء هي الإنصاف هي العفو هي الرضا، ...، هي الخلق الأكمل والوصف الأجمل والدرجة العليا.. فهل نرى السكينة بيننا؟
فيمكن أن تكون الأحداث من حولنا شائكة.. والمواقف مزعجة، والنفوس متأججة، فلا ترى إلا أبا يتذمر من ضيق أحواله، وأما تصرخ من عناد أطفالها، ومدير يشتكي من سوء موظفيه، وعامل يتململ من سلطة إدارييه، وشاب يبكي على ضياع زهرة عمره، وعدو غاشم يتربص بنا الدوائر، وصديق جاهل يفضح ما في السرائر، وهكذا تدور دوامة الحياة تطحن في أبنائها وتزيد الهم هما، والداء داء.. فأين نحن من هذا الدواء القرآني العجيب؟ إنها السكينة الشافية..
فلو قيل لأي فرد إن دواء ناجعا لمرض القلوب والنفوس والهموم والأوجاع، لبحث عنه سريعا ولامتطى صهوة السفر والترحال ليبحث عنه ولو كان غثا ومرتقى صعبا وبعيدا، مع أن الدواء قريب والمرتقى سهل لكن أين تجده؟
فلنتدبر كتاب الله ولنراجع آياته، يقول ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين: أوصاني شيخي ابن تيمية وهو في سجنه: أن أقرأ آيات السكينة من القرآن الكريم.
فقد جاءت آيات السكينة ستا في القرآن الكريم في أشد المواقف اضطرابا وزلزالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار، فلنهتم بها، ولنحفظها، ولنراجع مواقفنا اليومية ولنلبسها لباس السكينة، وهي تدريب جميل على استعمال جرعات من التهدئة للنفس الصاخبة، ومزاورة الكلام الجميل قبل الانطلاق في الحديث، والتحكم بالمشاعر قبل الانفلات، وهكذا رويدا رويدا تحل السكينة في نفوسنا، في بيوتنا.. وتعمر السكينة عباداتنا.. وتبقى مواقفنا محفورة في ذاكرة الأجيال. والله معكم.
* الأحساء
drhudadd@hotmail.com