لقد حذر الشارع من مغبة عقوق الوالدين أشد التحذير، فهو كبيرة من الكبائر. ولقد عبر الله تعالى بالنهي عن هذا الفعل القبيح بكلمة صغيرة في أحرفها عظيمة الخطر في معناها فنهى عن كلمة (أف) في قوله - تعالى -: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}(الإسراء: 23).
ولننظر لكلمة (أف). التي تساهل البعض بها واعتبرها حروف- في اعتقاده - إلا أن الله سبحانه وتعالى قرنها بالشرك في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
ومع تلك المكانة للوالدين، وبرغم ما جاء من الأمر الأكيد في برهما، والزجر الشديد في النهي عن عقوقهما إلا أن فئاما من الناس لم ترع حق الوالدين، ولم تبال بالعقوق. فتجدهم تارة يتسببون في إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل. وتارة نهرهما وزجرهما ورفع الصوت عليهما. وتارة التأفف من أوامرهما. وتارة العبوس وتقطيب الجبين أمامهما والنظر إليهما شزراً. وتارة الأمر عليهما. وتارة انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة. وتارة ترك الإصغاء لحديثهما. وتارة ذم الوالدين أمام الناس. وتارة شتمهما. وتارة إثارة المشكلات أمامهما إما مع الأخوة أو مع الزوجة. وتارة تشويه سمعتهما. وتارة إدخال المنكرات للمنزل، أو مزاولة المنكرات أمامهما. وتارة المكث طويلاً خارج المنزل مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في الخروج. وتارة تقديم طاعة الزوجة عليهما. وتارة التعدي عليهما بالضرب. وتارة تمني زوالهما. وتارة قتلهما - عياذاً بالله - وتارة البخل عليهما والمنة، وتعداد الأيادي وتارة..... وتارة.........
ولو تأملنا هذه الصور التي استعرضناها لوجدنا أنها تبدأ من الشعور الداخلي بالكره أو النفور والذي يترجم على هيئة عبوس أو نفور ويستمر في التصرف السلبي ليترجم والعياذ بالله للتعدي عليهما بالفعل والضرب.
وهنا أود التأكيد على عظم حق الوالدين كما أن منزلتهما عالية في الدين؛ فبرهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله - عز وجل - والإحسان إليهما من أجلّ الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال. قال الله - عز وجل -: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء: 36). وقال الله - عز وجل -: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الأنعام: 151).
وقال الله تبارك وتعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء: 23، 24).
وقال الله - عز وجل -: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان: 14).
وفي الحديث الشريف الذي رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله .
فهل ينتهي من جعل نفسه أداة طيعة للشيطان وليراجع نفسه من وقع في هذا المزلق الخطير وليوفي كل ذي حقاً حقه.