Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/07/2009 G Issue 13440
الخميس 23 رجب 1430   العدد  13440
شيئ من
الثوابت ما هي؟
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

لفت نظري رأيٌ لمعالي الشيخ عبدالله بن منيع - حفظه الله - نشره في جريدة الوطن يقول فيه: (نقول لهذا الذي نادى بكشفه وجه المرأة هو في الواقع يريد - هداه الله - أن يخرج ببلادنا عما هي عليه من (الثوابت) فعليه أن يتقي الله، طالما أن الله سبحانه وتعالى هيأ لنا أمنا وبنتنا وزوجتنا وخالتنا وعمتنا وزوجة ابننا ونحو ذلك من هؤلاء النساء الفاضلات، هيأهن لتربية صالحة وباتجاه صحيح، ماذا يريد منا؟). ثم استدرك - معاليه - في ذات المقال وأشار إلى أن: (مجموعة من أهل العلم (اختلفوا) فيما يتعلق بوجه المرأة هل هو عورة أم غير عورة، فطالما أن بلادنا قد اتخذت هذا المنهج واستجابت نساؤنا إلى هذا المنهج السليم في أن تكون عورة فيجب علينا أن نحافظ على هذه السمة التي هي في الواقع نبراس تقوى وصلاح واتجاه وتربية صحيحة).

السؤال الذي بودي أن أطرحه على الشيخ: هل يعني كلام معاليكم أن الثوابت قد تتسع لتشمل ما يجوز فيه الاختلاف وما لا يجوز فيه الاختلاف، إذا تعود عليه الناس، وأصبحت عادة، أم أن الثوابت الدينية تقتصر (فقط) على الأوامر الاعتقادية القطعية، وما جرى عليه الإجماع في المسائل الفقهية؟

وأنا هنا لن أتحدث عن قضية غطاء الوجه، هل هو المدلول القطعي لحجاب المرأة المسلمة، أم أن القضية محل اختلاف، فالشيخ - حفظه الله - ذكر أن القضية محل اختلاف بين أهل العلم كما جاء في المقال، غير أن الذي يهمني هنا أن نحدد معنى (الثوابت) ولا نترك هذا المصطلح دونما تحديد، حيث إن مفردة (ثوابت) هي من المصطلحات الجديدة التي ليست من تعابير أهل الأصول في الماضي، ولم أطلع على ضوابط لها في كتابات علماء الأصول المعاصرين.

المجمع الفقهي الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1423هـ أشار ضمنياً إلى هذه الثوابت بلغة محكمة الدلالة، حينما قسم قضية الاختلافات إلى نوعين: نوع حدده قرار المؤتمر بالقضايا المتعلقة بالاختلافات (في المذاهب الاعتقادية)، واعتبرها بالنص: (مصيبة، جرّت إلى كوارث في البلاد الإسلامية، وشقّت صفوف المسلمين، وفرَّقت كلمتهم، وهي ما يؤسف له، ويجب ألا يكون، وأن تجتمع الأمة على مذهب أهل السنة والجماعة، الذي يمثّل الدين الإسلامي النقي السليم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلافة الراشدة التي أعلن الرسول أنها امتداد لسنته بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ)...)؛ وبناءً عليه فإن الاختلافات في القضايا الاعتقادية التي تخرج بالدين عن نقائه وسلامته، لا تجوز مطلقاً، والخروج عليها بالتالي هو خروج على (الثوابت). وفي المقابل أشار قرار المؤتمر إلى الاختلافات في (المذاهب الفقهية) وهذه الاختلافات - كما نصَّ القرار - اختلافات جائزة، وفيها ثراء ورحمة. جاء في القرار بالنص (اختلاف المذاهب الفقهية في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله - سبحانه - في ذلك حكمة بالغة، ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة، وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد حصراً لا مناص لها منه إلى غيره، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحد الأئمة الفقهاء في وقت ما، أو في أمر ما، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقاً ويسراً، سواء أكان ذلك في شؤون العبادة، أم في المعاملات، وشؤون الأسرة، والقضاء والجنايات، وعلى ضوء الأدلة الشرعية).

وبناءً على ما تقدم فإنني أرى أن القضايا الاعتقادية، وما جرى عليه (الإجماع) بين مذاهب أهل السنة في القضايا الفقهية، هي حصراً ما يعنيه مصطلح (الثوابت)، وما خرج عن ذلك، وساغت فيه الاختلافات، يخرج عن هذا المصطلح. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد