بعد رحيل شيخنا الحبيب عبدالله بن جبرين (رحمه الله) :
|
ما بين مرتحلٍ وبين مقيم |
تجري الحياةُ بعمرنا المقسوم |
تجري سفائنُها على بحر الرَّدَى |
تشكو من الأمواج طولَ هجومِ |
ما بينَ غارقةٍ وناجيةٍ ترى |
فَرَحَ السَّعيد، ودمعةَ المكلومِ |
ما أقصرَ الأعوامَ بين بدايةٍ |
ونهايةٍ، ومصيرنا المحتوم |
نستقبل الدنيا وفي أَنْفاسها |
معنى بلوغ الروحِ للحلقومِ |
يا رحلةَ الأيَّامِ، مازلنا نرى |
خطواتنا في دربنا المرسومِ |
فنحسُّ أنَّ العمرَ صفحةُ قارئٍ |
تُمحى إذا سقَطَتْ من (التَّرقيم) |
هذي بحار الموتِ يَرفد بعضُها |
بعضاً فيّا سُفُنَ التَّصَبُّرِ، عُومي |
خبرٌ تناقَلَه الرُّواةُ، وربَّما |
ساقت لنا الأخبارُ جيشَ هموم |
رَحَل (ابنُ جبرِين)، رويدَك إنَّه |
خبرٌ وربِّ الكون جِدُّ أَليمِ |
رحل ابن جبرينٍ رحيل مبجَّلِ |
بشموخ محتسبٍ وعِلمِ عليمِ |
ترك الحياة وقد أنار دروبَها |
بجمال أخلاقٍ، ونَشْر علومِ |
يا راحلاً عنَّا، أمامَك روضةٌ |
من عَفْو غفَّارٍ، وجُودِ كريمِ |
انظُرْ إلى خُضر الطيورِ تألَّقَتْ |
في جنَّةِ المأوى ودارِ نعيمِ |
لكأنَّني بالكأس تُمْلأُ بالرِّضا |
ومِزاجُها المختومُ من تَسْنيم |
وكأنني بالشيخ يشرب ما صَفَا |
من نَبْعها ورحيقها المختومِ |
أَمَلٌ مَزَجْتُ به الدعاءَ، وإنَّما |
نرجو له فَوْزاً بعفوِ رَحيمِ |
يا من كسّرْتَ حواجزَ الدنيا التي |
تقسو على مُتَذبْذِبٍ مهزومِ |
يا تاليَ القرآنِ في جُنْح الدُّجى |
متهجِّداً متعلِّقاً بعظيمِ |
للهِ دَرُّك، كم وقَفْتَ مصلِّياً |
حتى يَهُزَّ الفجرُ غُصْنَ نسيمِ |
تَمتدُّ رحلتُكَ الجميلةُ حُرَّةً |
ما بين تكبيرٍ إلى تَسليم |
كم جُزْتَ آفاقَ الخشوعِ محلِّقاً |
متجاوزاً فيها حدودَ نُجوم |
ولكم سَعَيْتَ مع الضَّعيفِ لحاجةٍ |
سَعْياً يخفِّف لَوْعَةَ المهمومِ |
ولكم مَسَحْتَ دموعَ أرملةٍ، وكم |
كَفْكَفْتَ بالإحسانِ دَمْعَ يَتيمِ |
كم طالبٍ للعلم جاءَك راغباً |
يسعى إليكَ بلهفةِ المحرومِ |
فمنحتَهُ من كَنْز علمكَ ثروةً |
وسقيتَه بالعَزْم و (التَّصميمِ) |
بَطَلُ العقيدةِ أنتَ، لم َتْترُكْ على |
أبوابها أَثْراً لكفِّ سقيمِ |
جاهدتَ دون صفائها ونقائها |
وردَدْتَ عنها وَهْمَ كلِّ خَصيمِ |
وصدَدْت عنها بِدْعَةً مشؤومةً |
بُنِيَتْ على التَّلفيق والتَّهْويمِ |
إني عرفتُك بالتواضُعِ شامخاً |
مترفعاً عن سَفْسطاتِ خُصوم |
يا راحلاً عنَّا، مكانُكَ لم يزلْ |
فينا شِعَارَ العلم والتَّعليمِ |
إنْ غيَّبَ الموتُ الكرامَ فإنَّهم |
يبقون في عِز وفي تكريمِ |
يبقونَ في أذهاننا الفجرَ الذي |
ترتدُّ عنه جحافلُ التَّعتيم |
فالشمسُ لا تخفى على أنظارنا |
مهما تلبَّد أُفْقُها بغيومِ |
|