Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/07/2009 G Issue 13440
الخميس 23 رجب 1430   العدد  13440

رحمك الله يا أبا عبدالرحمن
عبد الله بن محمد العسكر

 

الحديث عن الشيخ العلاّمة عبد الله بن جبرين -رحمه الله- حديث يمتزج فيه الحزن بالذكريات الجميلة التي إذا تذكّرها محبّوه لم يملكوا دمعاتهم وهي تهراق على خدودهم.

لقد كان الشيخ أمة قانتاً لله حنيفاً.. وكان أمة في رجل، ولكن كأعظم ما يكون الرجال!!

كنتُ كثيرا ما أردِّد حين أبصر محيّاه البسام وأرى عطاءه الأسطوري أقول: هذا بقية السلف!!

حينما نقرأ سير عظماء سلف هذه الأمة وكيف كان بذلهم لهذا الدين نرى الشيخ وكأنه يعيش بينهم!!

إن الحديث عن صفات الشيخ يطول كثيراً، ولا يمكن اختزال ذلك التاريخ الوضّاء المشرق المليء بالبذل والتضحية والخير الوافر في أسطر معدودة.. فماذا عسانا أن نقول عن قامة العِلم والعبادة والزهد والجود؟!!

ماذا تقول قوافي الشعر عن رجل كل يقول له: هذا هو الرجلُ.

لقد كان موته فجيعة من فجائع الدهر، ورزية من رزايا هذه الأمة التي عاش الشيخ موجّهاً ومعلِّماً لها أكثر من نصف قرن من الزمان!!

ولم يكن -رحمه الله- يعمل هذه الأعمال التي ينوء بعملها أولو القوة والبأس من الرجال طلباً للشهرة ومعسول الثناء، كلا، فليست تلك من صفاته.. وكل من رأى الشيخ رأى في وجهه الصدق والإخلاص، نحسبه كذلك والله حسيبه.

كنت أحدِّث أحد الفضلاء مرة فأقول: هذا الشيخ يصدق فيه قول القائل: (مادحُه وذامُّه سواء).

لقد كنت أشعر أن الشيخ يعيش وكأنه في غير عصره، فلم تغرَّه هذه الحياة ببهرجها وزخرفها الفتَّان.. ولو أراد أن يظفر بمتاعها ويعبَّ من عُبابها لعرف الطريق إلى ذلك؛ لكنه - فيما أحسب - ممن قال الله فيهم: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83) سورة القصص.

لقد كان يتتبع الخيرَ مظانّه، ويجتهد في إخفاء عمله ما استطاع إلى ذاك سبيلاً.

يذكر أحد الإخوة المقربين منه أنه - رحمه الله- كان يقوم من الليل فيحمل طعاماً وما تيسَّر من مؤونة ويخرج والناس هجّعٌ نيام متخفياً حتى لا يراه أحد، ثم يضع هذا الطعام عند باب أحد طلابه الفقراء ثم يطرق الباب ويمضي سريعاً قبل أن يفتح تلميذه الباب فيعرف من الذي وضعه؟!! (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) (9) سورة الإنسان.

يا الله ما أعظم هؤلاء الرجال!!

لطفاً بنا اللهمّ إن مصابنا

بالشيخِ جرحٌ في الحشايا مؤلم

مات الذي قد كان بدراً ساطعاً

فتياهُ في حلك البلاء البلسم

الحلمُ شيمتهُ ولكن حينما

يُعصى الإلهُ فإنما هو ضيغمُ

سمحٌ عطوفٌ ذو وقارٍ مؤمنٌ

عَفٌّ تقيٌّ زاهد وغَطمْطَمُ

بكت الجزيرةُ بعد فقدك يا أبي

بطحاؤها ووهادها والأنجمُ

ورثتك حلْقات المساجد حسرةً

أنَّتْ وأضحتْ بالنشيج تُغمغِمُ

ونعاك أهل العلم أنت إمامهم

أنت الفقيهُ وفي الحديث مقدّمُ

وأرى الفقير ينوح حين تركتَه

وكذا الثكالى قد بكت واليُتَّمُ

والأرض كلُّ الأرض قد فُجعتْ بمن

هو للهدى والمكرمات المعْلَمُ

إن غاب صوتك في الحياة فإنما

ذكراك في كل القلوب تُزمْزمُ

بُوِّئت في دار النعيم منازلاً

ووقيتَ ناراً جمرُها يتضرمُ

وسلام ربي يا فقيدُ عليكمُ

ما ناح طير في الضحى يترنّمُ

رحمك الله يا أبا عبد الرحمن.. وسلام الله عليكم يوم ولدت، ويوم متَّ، ويوم تبعث بين يدي ربك... وجزاك الله عن أمة محمد خير الجزاء وأوفاه وأسناه وأعلاه، وجمعنا بك في دار النعيم المقيم، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود - فرع الخرج

alaskar5@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد