Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/07/2009 G Issue 13438
الثلاثاء 21 رجب 1430   العدد  13438
من القلب
الرياضة المدرسية للبنات.. وطابور الصباح!!
صالح رضا

 

كتبت عن الرياضة المدرسية للبنات مرتين هنا في صحيفة (الجزيرة).. في المرة الأولى قبل بضع سنوات.. وجاءت ردة الفعل كبيرة وصاخبة في الصحف ومواقع الإنترنت حتى وصل الأمر للاتصال على هاتفي النقال يعترضون على فكرة إدخال الرياضة لمدارس البنات.

** بينما تطرقت للرياضة المدرسية للبنات هنا مرة أخرى قبل عدة أشهر لا تزيد عن الثلاثة أشهر.. فلم يأبه بالفكرة أحد، بل وجدت إشادة لذلك الطرح وظننت أن الأمر أصبح أكثر قبولاً لدى كافة أطياف المجتمع.. إلى أن نشرت جريدة (الجزيرة) في عدد الخميس الماضي مقالاً ثرياً للأستاذ تركي ناصر السديري حول إدخال مادة الرياضة ضمن المنهج الدراسي لمدارس البنات وما صحبها من ردود وتعليقات متباينة.. رغم أنه كان مقالاً ممتعاً وماتعاً ومفيداً وهادفاً ومخلصاً في توجهه.. والكاتب الفاضل ينشد بكل تأكيد الخير لبناتنا.. فقد أغنى المقال بالكثير من النقاط الهامة التي تحتاج للتمحيص والدراسة ليُستفاد منها في تربية وإعداد أجيال من الطالبات في عصر أصبحت فيه النساء شقائق الرجال..

** إن المرأة في نظري هي إنسانة سوية وذات خصوصيات وخصائص أكرمها بها الله.. وقد أوصانا الله ورسوله بها.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خيارهم لنسائهم).. وآخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته كانت: (ألا فاستوصوا بالنساء خيراً).. كما قال عليه الصلاة السلام: (رفقاً بالقوارير).. وقال صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله في نسائكم فإنما هن عوان عندكم)..

** فالمرأة قوية بإيمانها ودينها وأخلاقها وعفتها وعفافها واعتزازها بنفسها وثقتها بمستقبلها وشموخها عن سفاسف الأمور.. أعطوا الفتاة الثقة بالنفس وعززوا لديها الشعور بالذات وبالمكانة في العائلة وفي المجتمع ولا تخافوا عليها متى ما تسلحت بإيمانها ودينها ومكانتها.. ولا تضعوها في مواقع الريب ومحمل الشكوك وموضع الظنون.. فعندئذٍ تفقد مكانتها وكرامتها.. فكلما كانت ثقتها في نفسها كبيرة واعتزازها بشخصيتها عزيزة.. فلا خوف عليها ولو تركت في صحراء قاحلة.. فهي أشد حرصاً من الجميع على شرفها وعفافها وكرامتها وكينونتها.

** أتمنى من كل مخلص وعاقل لم يقرأ مقال الأستاذ تركي ناصر السديري بتؤدة وعمق وإنصاف وعدل.. أن يبحث عن المقال ويقرأه مرة واثنتين وثلاث مرات.. فهو يريد الصلاح والفلاح.. وسيجد الكاتب وقد وضّح وأجاد ووضع نقاطاً تستحق النقاش، بل وأن تكون ورقة عمل في ورش عمل لكبار التربويين والتنفيذيين في وزارة التربية.. لاستخلاص العِبر الأمينة والصادقة التي مُلئ بها المقال الثري.. وأجزم يقيناً أن ذلك المقال هو خير ورقة مفيدة لورش عمل أمينة مع الله ثم الوطن وبناته وأجياله.

** في مقالي المتواضع هذا.. لن أعود للمرتكزات الأساسية التي خضت فيها في المقالين السابقين مقترحاً إدخال حصص التربية الرياضية لمدارس البنات.. بل سوف أتعرض لجانب آخر من واقع تجربة حقيقية لعلها تنتقل إلى مدارس بناتنا قبل أبنائنا.. فقد تفضَّل الله على عبده الفقير إليه بأن يكون معلماً فوكيلاً فمديراً لعدة مدارس.. بل وساهمت في تأسيس مدارس.. وما زالت تلك المدارس قائمة تشع علماً ونوراً وضياء وتربية في المجتمع.. وهذه نعمة من الله عليَّ.. فلله الحمد والشكر والمنّة.

** هذا وقد لاحظت في تجربتي التربوية بأن الفصل الذي لديه حصة تربية بدنية في بداية اليوم الدراسي.. يكون طلابه أكثر استيعاباً لدروسهم بقية اليوم.. ويقضون يوماً دراسياً ممتعاً ومتوهجاً بالنشاط والانضباط والبُعد عن المشاكل الطلابية المعتادة وزيادة الانتباه للدروس حتى في الحصص المتأخرة.. وكنت أتعمَّد زيارة الفصول التي تمتع طلابها بحصة رياضية في أول اليوم الدراسي.. فأجدهم شعلة من النشاط الإيجابي حتى في الحصة السابعة والأخيرة.

** درست الموضوع وتدارسته مع اختصاصيين في الطب فأكدوا لي أنه بعد تأدية الرياضة البدنية يفرز المخ هرموناً معيناً يعطي المتريّض شعوراً عميقاً بالراحة وصفاء الذهن والتصرف الإيجابي والسليم تجاه المواقف اليومية..

** اقتنعت بهذا التوجه لأنه فسر لي إيجابية أداء الطلاب الذين يحصلون على حصة رياضية في أول اليوم الدراسي.. وحيث إن بعض الفصول في بعض الصفوف لا يكون لديهم حصة تربية رياضية في الحصص الثلاث الأولى.. فقد بقيت أفكر في حل لهذا الموضوع إلى أن توصلت إلى حل منصف لجميع الطلاب.. وهو طابور الصباح!!

** اجتمعت بمعلمي التربية الرياضية ومجلس المدرسة وأعطيتهم تعليمات مشددة حول طابور الصباح والغرض الذي أسعى إليه وهو أداء التلاميذ لمجهود بدني يكون على شكل تمارين بسيطة ومحببة لنفوسهم ولكنها ذات أثر فعَّال على أجسادهم.. وإيجابي على جميع طلاب المدرسة وهم بالمئات.. وشددت على جميع الأجهزة التربوية والإدارية في المدرسة أن يكونوا أول الحاضرين ومتخذين لمواقعهم في الاصطفاف الصباحي وبحضوري شخصياً قبل الجميع وأول الحاضرين.

** كنت أتوقع بل وأعلم أن قلة قليلة من الكسالى سيحاربون هذا التوجه لا لشيء إلا لتبرير تكاسلهم وتخاذلهم.. فهم لا يريدون العمل الجاد بل يريدون قضاء اليوم الدراسي بين الإفطار والاستئذان بالخروج وقضاء حوائجهم الخاصة.. وإذا طلب منهم دخول الفصول الدراسية قاموا متثاقلين وكأن لهم فضلاً على الطلاب رغم استلامهم لمرتبات جيدة آخر كل شهر وبانتظام يحسدون عليه.

** وضعت في ذهني تلك المعوقات من بعض الزملاء المعلمين ولكن جديتي في الموضوع وإشرافي الشخصي بدون كلل أو ملل وتعمدي أن يجدوني قد سبقتهم لطابور الصباح واصطففت بجدية تامة قبل الجميع.. وأشدد على قبل الجميع.. هذا كله كان كفيلاً بالقضاء على كسل المتكاسلين كما كان عاملاً هاماً في نجاح الطابور وتنفيذ أهدافه.

** أكتب هذا وأنا أعلم أن كثيراً من الزملاء سيقرؤون هذا المقال وهم أول من سيصدقون على مقالي أو لو كنت غير صادق أو أمين فيما أنقل وأكتب.. فيستحقروني أمد الدهر.. وأنا لن أضع نفسي يوماً مكان استحقار أحد حتى ألقى وجه ربي بنفس مؤمنة وصالحة وصادقة وأمينة مع الله قبل الجميع.

** أعطى ذلك التوجه الكثير من الإيجابيات.. يضيق بها المقال هنا.. ويصغر المكان عن سردها والثناء عليها.. ولكنني سوف أختصرها هنا في نقاط بغير ترتيب.. رغم أن كل نقطة تستحق مقالاً منفرداً..

* من تلك الفوائد الانضباطية التامة والجدية البالغة لجميع أسرة المدرسة..!!

* أصبح طابور الصباح اجتماعاً يومياً لجميع أسرة المدرسة وأصبح يغني عن الكثير من الاجتماعات وعن كثير من التعاميم حتى الإدارية منها..!!

* أمد الطلاب بنشاط بدني ونفسي وذهني لا يُقدر بثمن..!!

* أصبح الزوار يشيدون بالمدرسة وانضباطيتها وبطابورها الصباحي المميز ولو أن هذا لم يكن هدفاً لي..!!

* الاهتمام بطابور الصباح يحل الكثير من مشكلات التأخر الصباحي للطلاب والمعلمين والإداريين..!!

* أقولها -على مسؤوليتي- إنه إذا بدأ اليوم الدراسي باصطفاف صباحي ناجح فسنضمن يوماً دراسياً ناجحاً -بإذن الله- لكل هيئة المدرسة حتى عمال النظافة ستصلهم رسالة الجدية المتناهية في العمل..!!

* ستبقى المدرسة تنعم بنظافة مستمرة ودائمة..!!

* ستكون هناك عقبات في التنفيذ ولكنها ستتلاشى مع جدية العمل والتطبيق ووجود القدوة الصالحة من مدير المدرسة ومعلميها في الحضور والجدية والانضباط..!!

* يمكن تقسيم الطابور بعشر دقائق للقرآن الكريم ثم يليها الحديث الشريف.. فالنشيد الوطني.. ثم كلمة الطلاب أو الجماعة وأنشطة مركزة ومختصرة ومفيدة..!!

* تكريم الطلاب المتميزين في اليوم السابق بهدايا بسيطة في قيمتها المادية وكبيرة في موقعها المعنوي الهائل..!!

* تكون هناك عشر دقائق أيضاً للتمارين الرياضية وهي كافية لحرق جزء من الدهون المكتنزة في أجساد الطلاب..!!

* إمداد ذهن الطالب وبدنه بالهرمونات الإيجابية التي يفرزها المخ بعد الأداء للتمارين الرياضية التي يسبقها باقة جميلة من برامج دينية وثقافية وتربوية من خلال العشر الدقائق الأولى ولا بأس من استعارة خمس دقائق من زمن الحصة الأولى..!!

* يجب أن تتوافر في المدرسة مساحة كبيرة ومغطاة ومهواة وبعيدة تماماً عن عيون الفضوليين وغيرهم من المتطفلين.. مع تواجد مرافق متكاملة من فصول واسعة ومكيفة.. ودورات مياه نظيفة وفعَّالة..!!

* ادرسوا طابور الصباح أو الاصطفاف الصباحي كما يحلو للبعض تسميته ومن ثم طبِّقوه بجدية في مدارس البنات ودعوا بناتنا يسعدن بيومهن الدراسي.. وبلاها من مطالبة بالتربية الرياضية في مدارس البنات إذا طبق في مدارسهن طابوراً صباحياً صحيحاً.. فالعقل السليم في الجسم السليم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد