لم يعجب الدكتور محمد النجيمي القول: إن قضية سريان الربا في المعاملات المالية المعاصرة قضية (فقهية) خلافية بين العلماء، وأصر على أن القول بعدم سريان الربا في المعاملات البنكية المعاصرة هو (قول شاذ)، والشاذ لا يُحتج به، كما أشار إلى أن هذا القول - أيضاً - هو قول فرقة الأحباش في لبنان، واتهمني مع الدكتور حمزة - غفر الله له - باتباع مذهب الأحباش (100%) كما يقول!
فات على (مدرس) قضاتنا، وواعظ رجال أمننا - رزقه الله الحصافة والكياسة والرزانة - أن شيخ الأزهر يذهب إلى القول بعدم سريان الربا في المعاملات المالية المعاصرة؛ كما أن مفتي مصر يقول بذات القول؛ وكذلك مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فهل يعني قولك هذا أن شيخ الأزهر ومفتي مصر وأعضاء مجمع البحوث في الأزهر يتبعون - أيضاً - فرقة الأحباش؟ قليل من الحصافة يا رعاك الله!
ثم أن (تختزل) - يا محمد - خلافنا مع الأحباش في مثل هذه القضايا، و(تغفل) خلافنا معهم في مسائل (التوحيد)، لمجرد أن تنتصر لرأيك، وتدعم موقفك، هو أمر غاية في الخطورة، خاصة وأنك تدرس في المعهد العالي للقضاء، وكذلك في كلية الملك فهد الأمنية، فضلاً عن عضويتك في لجان مناصحة الإرهابيين كما يقولون. فلو كان خلافنا مع الأحباش - فتح الله على بصيرتك - ينحصر في قضايا مثل جريان أو عدم جريان الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة على افتراض صحة ما تقول لهان الأمر وربما ساغ الاختلاف، غير أن القضية أكبر وأعظم من ذلك بكثير، حيث إنها تطال مسائل (التوحيد) التي يقوم عليها الإسلام، كما أن تبعات اتهامك لي وللدكتور حمزة بالانتماء إلى فرقة الأحباش يعني في السياق ذاته أنك (تتهم) ضمناً نظام مؤسسة النقد في المملكة الذي (يقر) التعامل بالفائدة لدى بنوكها التجارية بأنه يستمد من فقه (الأحباش) شرعيته، ولا أعتقد أن من عينك في مهامك التدريسية أو (الوعظية) يقبل منك أن تقول بهذا القول (الخطير) وغير المسؤول، لأنه اتهام لا يقره صغار طلبة العلم، فكيف بمن يدرس قضاتنا، و(يناصح) أصحاب الفكر الضال!
ولو تتبعت - يا محمد - أقوال التكفيريين، واتهاماتهم للدولة، لوجدت أن السماح (بالبنوك التجارية) في المملكة إحدى أهم التهم التي يوجهها أصحاب الفكر الضال إلى الدولة، على اعتبار أن البنوك التجارية من (قلاع الربا) كما يدعون؛ رغم أن مثل هذه القضية كانت وما تزال محل اختلاف (فقهي) بين العلماء؛ أن تعتبر - هداك الله - كل من قال بذلك يتبع فرقة الأحباش (100%)، كما جاء في ردك (المنفعل) فأنت لا تكرر اتهام من أنت مُعيّنٌ لمناصحتهم فحسب، بل ترقى بالقضية إلى مستوى الخلاف العقدي لا (الاختلاف الفقهي) فهل تنبهت - يا رعاك الله - إلى مثل هذا المنزلق الخطير؟
أكرر السؤال عسى أن تستوعب ما أقول: إذا كان قول مفتي مصر، وقول شيخ الأزهر، وكذلك فتوى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وغيرهم من علماء المسلمين لا يكفي ليثبت أن القضية محل اختلاف فقهي (معتبر) بين العلماء، فلا أدري كيف يكون الخلاف. ثم إذا لم تعتد - يا محمد - باجتهادات مثل هؤلاء العلماء من أهل السنة في العالم الإسلامي، واعتبرت أن فتاواهم (شاذة)، فكيف تبرر استناد الدولة - رعاها الله - إلى أمثال هؤلاء العلماء في قضية توسعة المسعى؟
وطالما أن القضية قضية خلاف بين العلماء، فإن مؤسسة النقد، وهيئة سوق المال، وكذلك البنوك التجارية، توفر الخيارين، فمن رأى أن المعاملات البنكية يجري فيها الربا فلديه ما يُسمى بالمعاملات المصرفية الإسلامية، ومن رأى أن النظم المالية المعاصرة تختلف، وبالتالي لا يجري في معاملاتها البنكية التقليدية الربا المحرم، فله أن يتعامل مع ما يوافق قناعاته، ولا يجوز لأحد أن (ينكر) عليه طالما أنه يتبع (عالماً) معتبراً، وأكرر هنا قول ابن تيمية- رحمه الله- في قضايا الخلاف: (مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم (ينكر) عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه). سؤالي لك يا محمد: ألا ينطبق ما يقول به ابن تيمية- رحمه الله- على مثل هذه القضايا؟ هل ستجيب، أم ستتهرب!
بقي أن أقول وأؤكد أن الربا (حرام) وسيبقى حراماً إلى أن تقوم الساعة؛ ولكن هل المعاملات المصرفية المعاصرة ضرب من ضروب الربا؟ هذا ما سيجيب عليه بالتفصيل الدكتور حمزة السالم على صفحات (عزيزتي الجزيرة) كما علمت منه. إلى اللقاء.