كثرت في هذه الأيام الضجة في الصحف في استنكار تزويج الفتاة الصغيرة، وهي ضجة لا مبرر لها، ومن أناس يجهلون الأحكام الشرعية أو يعارضونها؛ فقد ثبتت صحة تزويج الصغيرة في الكتاب والسنة والإجماع.
1- أما الكتاب ففي قوله تعالى ذكر أنواع المعتدات من الطلاق وأن ذات الحيض تعتد بثلاث حيض، والتي لا تحيض لصغر أو إياس تعتد بثلاثة أشهر؛ قال تعالى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}، {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي فعدتهن ثلاثة أشهر. فدلت الآية الكريمة على أن الصغيرة تُزوَّج وتُطلَّق وتعتد كالكبيرة.
2- وأما السُّنة فقد ثبت في الصحيحين أن أبا بكر رضي الله عنه زوّج ابنته عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين؛ فدل ذلك على صحة تزويج الصغيرة التي لها دون ست سنين، لكن قال العلماء إنما يجوز ذلك إذا وضعها وليها في كفء صالح لما لها من الحظ في ذلك. وليس له أن يزوجها بمن لا حظ لها فيه؛ لأنه ينظر في مصلحتها. قال الإمام ابن جرير - رحمه الله - في تفسيره {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}: وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول. وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في قوله تعالى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}: يقول تعالى مبينا لعدة الآيسة وهي التي قد انقطع عنها الحيض لكبرها إنها ثلاثة أشهر عوضاً عن الثلاثة قروء في حق من تحيض كما دلت على ذلك آية البقرة، وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض إن عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر فلهذا قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} انتهى.
3- الإجماع: قال ابن بطال في شرح البخاري - على قول البخاري باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} فجعل عدتهن ثلاثة أشهر قبل البلوغ. فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ودخلت عليه وهي بنت تسع سنين. قال ابن بطال: قال المهلب: أجمع العلماء على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لعموم الآية {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}، ويجوز نكاح من لم تحض من أول ما تخلق. انتهى.
وقال البخاري أيضاً: باب تزويج الصغار من الكبار.
قال ابن بطال في شرحه: أجمع العلماء على أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد. إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال، وأحوالهن تختلف في ذلك على قدر خلقهن وطاقتهن. وكانت عائشة حين تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بنت ست سنين وبنى بها بنت تسع. وقد ذكره البخاري بعد هذا في باب نكاح الرجل ولده الصغار. قال ابن المنذر: وفي هذا الحديث دليل على أن نهيه عليه السلام عن إنكاح البكر حتى تستأذن أنها البالغ التي لها إذن؛ إذ قد أجازت السنة أن يعقد الأب النكاح على الصغيرة التي لا إذن لها. انتهى.
وقال الموفق في المغني على قول الخرقي: (وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة)، قال الموفق: أما البكر الصغيرة فلا خوف فيها. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها. وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} فجعل اللائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة إلا من طلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تُزوَّج وتُطلَّق ولا إذن لها فيعتبر.
وقالت عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين وبنى بي وأنا ابنة تسع) متفق عليه. ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها - انتهى المقصود منه.
وبهذا القدر كفاية - إن شاء الله - ورد واضح على من أثاروا هذه القضية. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(*) عضو هيئة كبار العلماء