(الشرف) كلمة تحمل في تفسيرها كثيراً من الازدواجية التي أنتجتها العقول المتضادة والمزدوجة.. فهي في ظاهرها كلمة توحي بالعزة والرفعة والشأن.. لكنها تحمل معنى آخر لدى البعض إنه: (المرأة) وما اقترانها بالمرأة هنا اقتران تشريف ولكن اقتران تخويف... وما (المرأة) مصطلح يدل على العموم.. لكنه مقتصر على الخصوص..

* غالباً ما اقترنت صفة الغيرة بالرجل الشرقي، وهي صفة محمودة إذا وضعت في موضعها.. وكانت كشمس تشرق على الأقصى والأدنى دون تفريق.. ولم تكن ناراً تحرق بيت صاحبها وتنير مسار الرذيلة في بيوت الآخرين.. من هنا نشأت ازدواجية التفكير والتطبيق والمعنى.. لأن الشرف لم يكن في غالب استخدامه عند كثير من العقول إلا سوط جلاد لا يسلط إلا على المرأة ولا يجيد استخدامه غير الرجل..

* (قضايا الشرف) التي حملت هذا الاسم بهتاناً وزوراً ليس لها من الشرف إلا حروف لو تغير أحدها لأضحت نتنة تقرف منها أنفس الشرفاء.. فهي تداوي الجهالة بجهالة.. وتزعم غسل العار بمدية ملطخة بذات العار.. وكأن (المرأة) لم تعد إلا جسداً مستباحاً بين رجل صاحب نزوة، وآخر صاحب قسوة..

* لست هنا مع أحد ضد الآخر لكني مع العدالة التي تنال من الرجل ما تنال من المرأة.. تلك العدالة التي تحرم علينا كمجتمع أن نرى هفوات الرجل مع النساء مغامرات وبطولات، وهفوات المرأة مع الرجال نزوة وعاراً.. فكلاهما ذنب بذات القدر ولن يجيز لنا عقل أن يكون بيد الرجل سيف يقص رقاب النساء المذنبات.. وليس لمذنب الرجال إلا هتاف وقهقهات.. تلك شريعة السماء التي جعلت حد الزنى عدلاً ما بين الرجل والمرأة.. لم يفضل به أحداً على أحد.. فلم يكن شرفاً لأحدهما وعاراً على الآخر، وتلك شريعة السماء التي جعلت - قبل الخوض في كل هذا - للتيقن مساراً صعباً ودقيقاً.. فهي أعراض وليس ساحة استعراض لخبث المذنب وسطوة الجلاد.. أسوار منيعة من اقترب منها كان ما بين قذف المحصنة أو قتل العمد..

* إذا أردنا الشرف الحقيقي بأي مفهوم وأية لغة فلنعلم أنه ليس سيفاً ملطخاً بنزواتنا نجرده أمام بيوتنا ونغمده أمام بيوت الآخرين.. لكنه بيت واحد يحيا فيه مع أهلك أهل جارك.. عندها سنعرف الشرف الذي قال عنه المنفلوطي:

(لو عرف الناس معنى الشرف لأصبحوا كلهم شرفاء)