Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/07/2009 G Issue 13438
الثلاثاء 21 رجب 1430   العدد  13438
الحبر الاخضر
الصندوق الأسود
د. عثمان العامر

 

ليس حكراً على الطائرات ولا هو خاص بالمخترعات والمنتجات البشرية العصرية الجديدة بل لكثير منا غالباً صندوق أسود في مضمونه ومحتواه، صندوق يسجل ويحفظ فيه هذا الإنسان أو ذاك انحرافاته عن الطريق الصحيح والصراط المستقيم، وربما احتفظ في داخل هذا الصندوق السري بالصور والذكريات والرسائل والمسجات، قد يكون الصندوق حقيقة مادية ملموسة سواء تمثلت في حقيبة صغيرة يحفظها في مكان سري بعيداً عن عين الرقيب خاصة الأهل ومن في البيت، أو رسائل إلكترونية ووسائط جوال يخفيها في ذاكرة مستقلة ويبرمجها بطريقته الخاصة، وقد يكون الصندوق صندوقاً معنوياً في داخل قلب الإنسان يفتحه ويقلب ما بداخله بين الفينة والأخرى فتهتز مشاعره ويتحرك وجدانه ويتذكر عناوين الانحراف ومقدار ومسافة الميل عن جاد الحق خاصة في هذه الأيام التي يتمتع فيها الغالبية منا بإجازة نهاية العام، فيشد صاحبنا الرحال إلى هنا أو هناك ليضيف جديداً إلى ما هو متراكم في صندوقه الذي يحتفظ به منذ فترة الشباب، وعندما يكبر أو يعجز فلان من الناس عن السفر يجتر هو ومن في سنه وعلى شاكلته الماضي بكل تفاصيله متحسراً على رحيله سريعاً ويتمنى أن يعود!!، طبعاً ليس كلامي هنا شماتة لا سمح الله، ولا هو تزكية للذات ولا حتى اتهام لأحد على وجه التعين حاشى لله، ولكنه حديث عن البعض ولا يمكن أن يأخذ صيغة التغليب ومن باب أولى ألا تكون له صيغة التعميم، هو باختصار حكاية عن صور نراها خارج الحدود و نسمع عنها في المجالس والمنتديات وترويها وسائل الإعلام والقنوات لشريحة من السائحين السعوديين، لا يهم كم عدد هؤلاء، ولا أعمارهم، ولا من أي منطقة هم، المهم أنها صور موجودة، عممت وكثر الحديث حولها حتى أصبحت نظرة بعضنا لبعض أن من سافر مهما كان سبب سفره إنما سافر من أجل الانحراف عن جادة الصواب!!

والاعتراف بوجود هذه الصور يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات عدة، أولها وعلى رأسها، لماذا نختلف عمّا نحن عليه في ديارنا عندما نخرج خارج بلادنا؟، لماذا ننزع جلدنا ونرتدي آخر؟ هل هو عدم قناعة بما نحن فيه أم هو الشعور بالكبت والبحث عمّا يشبع الجوع العاطفي والرغبات الراكدة في داخل ذواتنا ويلبي الحاجات التي لم تجد للوفاء طريقاً إلا هذا السبيل؟، لماذا يساورنا الاعتقاد بأن الانفلات من الرقابة المجتمعية والانعتاق من سلطة الجماهير يعطينا مساحة من الحرية الأصل أن نوظفها في التنفيس عمّا يختلج في دواخلنا من نزوات؟ لماذا يعود الشيخ المسن مراهقاً حين يسافر إلى هنا أو هناك؟، وما هي النتيجة التي تتحقق لنا أفراداً ومجتمعاً ودولة؟ وما أبرز معالم الصورة التي ترتسم في أذهان من يرانا في مواطن الشبه وأماكن المحظورات؟،هل نحن فعلاً كما يقال عنا نفهم السياحة فهماً خاصاً بنا لا يشاركنا فيه أحد؟، نعم من حق السائح أن يضحك ويمرح ويرفه عن نفسه ويمارس ما يشاء ولكن في دائرة الحلال، كل منا رسول ومسؤول وسيحاسب عما يفعل ويقول، ولذا لا بد أن نعكس الصورة الإيجابية عن أنفسنا عن بلادنا بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، وإلى لقاء والسلام..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد