Al Jazirah NewsPaper Monday  13/07/2009 G Issue 13437
الأثنين 20 رجب 1430   العدد  13437
أعراس القريات .. العرس لاثنين والشقا لألفين

 

القريات - مكتب «الجزيرة»

حين يضفي الصيف شاله على أكتاف المليحة الشمالية (القريّات) وتهب نسائم الغربي ملاطفة خصال شعرها.. يتهيأ ليلها للسهر وتتحفز لأماسي تشتعل ضياء.. تغرد بها ومعها المدينة في أشهر احتفالية تمنح لصيفها أجواء أخرى.. متعة..أنس ولحمة اجتماعية تُظهر هذا المجتمع بالصورة المعهودة عنه.. الألفة التي خلقت نسيجا اجتماعيا متجانسا متحابا.. يعطي لهذا المجتمع بهاء آخر.. صورة أخرى.. هو الصيف.. موسم الأفراح.. الاعراس في احتفالية تنفض سكون الشتاء وتتحفز للسمر.

العنيّة باقية

مع بدء العد التنازلي للعطلة الصيفية.. يتحفز الناس للأعراس والكل يتهيأ لمناسبته في الاعداد المبكر لمناسبة زواج ابن أو أخ أو أخت.. بدءاً من الحجز المبكر لصالات وقصور الأفراح وحجز الصيوان الرئيس للرجال ومثله للنساء وشبكات الانارة التي تحيل الليل البهيم نهاراً.

حين تتجول نهاراً بين الأحياء تجد من يبني الصيوان ويضع الفرش وشبكة الانارة وخزانات الماء واحواض الغسيل للمساءات (الدسمة) وجوارها (شبوك) الأغنام أو ما نعرفه بالقريّات (العنيّة) وهي عادة مورّثة ومن الصعب التخلي عنها تحت أي ظرف كان.. خروف أو اثنان أو حاشٍ تقاد للعريس كإسهام من أصدقائه وأقاربه وكل حسب قدرته وإمكاناته وربما البعض يقدم العنيّة كمبلغ مالي يسهم في تغطية تكاليف المصروفات الأخرى.

وهي تكلفة مرهقة للمُعين خاصة ان كان من يجب عليه تقديم العنيّة لهم كثيرين فيجد نفسه مضطرا للاستدانة أو ألا يحضر مناسبة الزواج لعدم قدرته على تقديم ما يرى أنه واجب لا يستطيع التملص منه البتة.

وهذا أمر يستوجب من الجميع أن يجدوا مخرجاً يسيراً هذا الأمر كأن يُسن مبلغ معين لا يتجاوز مبلغ (200) ريال كما فعل البعض منذ فترة حتى يتمكن الجميع من تقديم ما هو قادر عليه وفي استطاعته ومن أراد ان يعطي اكثر فهذا شأنه هو ولا يعتبر أمراً مسنوناً.

وكي يسهم هذا في التخفيف من الاعباء على الآخرين ويحقق التجمع المنشود في هذه المناسبات لا أن تكون مناسبات تنفير وهروب لغير القادرين او الذين ظروفهم المادية لا تساعدهم.

أحد الأصدقاء افتقدته في أكثر من مناسبة زواج.. سألته أين أنت مختف؟ قال: لا أخفي عليك.. أنا خجل من نفسي لغيابي ولكنك أخ ويجب ان أصارحك.. لدينا في هذا الشهر اكثر من (15) زواجا وكل واحد منهم عنيّته واجبة وعندما حسبتها وجدت انني مطالب بدفع مبلغ (7500) ريال خلال شهر وهذا المبلغ اكثر من راتبي وسأضطر للاستدانة ففضلت الاختفاء هربا من الدين.. ألست محقا في فعلي؟. قلت معك الحق ولكن ذلك ليس حلا.. لا نريد ان تكون العنيّة سبباً في التباعد والاختفاء وعدم مشاركة بعضنا افراحهم بل من المفترض ان تكون هذه المناسبات مناسبات لقيا واجتماع.. لا بد من حل ويجب على العقلاء من اهلنا ان يبادروا الى ايجاد حل لمسألة لا يعاني منها واحد فقط.. بل هي شأن معنيٌّ به الجميع.. فمن هو الذي يبادر؟

أما ان تجولت ليلا.. فلا تشاهد إلا الأنوار المبهرة والتي ما هي إلا عنوان مشرق في فضاء أفراحنا.. تجسد معنى الفرح وترتق اسمال همنا وتعبنا وترسخ لمعنى المحبة الذي يلبس أبناء القريات ثوبه في الوان تخالط حمرة الشفق.. مراقصا الليل.. طربا لأصوات السامري والأجساد المتراقصة يمنة ويسرة.. فرحة ببناء عش الزوجية.. معلنة ولادة أسرة جديدة في مجتمعنا القريّاتي.

أعراس بلا إسراف

قالوا (ما هم إلا همّ العرس) وهو حقيقة وقالوا أيضا (العرس لاثنين والهم لألفين) وهو حقيقة أيضا، فما بين ليلة الحناء وهي عرس دون (دخلة) وما يتخللها من أمور مكلفة وليلة (العرس) وما يصحبها ايضا من تكاليف بدءا بالموائد الدسمة وما يضاف لها من عصائر وفطائر وحلوى وغيرها للنساء.

يقف المرء في مواجهة السؤال: لماذا هذه الامور وبهذه المبالغة والمباهاة ومن السبب؟ هل هن النساء واللاتي ملكن عجلة القيادة؟ أم ان مجتمع القريّات وبحكم انفتاحه وتجانسه أكثر قابلية للتأثر ونقل مثل هذه الامور وادخالها في صلب مواسمه واحتفالياته؟ ربما ولكن الا ينبغي التوقف ومراجعة الذات وأنا واحد منهم؟

ولنسأل، كم من موائد رُميت؟ وهنا نلمس دورا جميلا ومشكورا تقوم به جمعية البر الخيرية بالقريات في استلام ما يتبقى من موائد ولائم الاعراس وتقوم بتوزيعها على المحتاجين ويجب ان نؤازرها وندعمها لاكمال ما بدأته ونسأل الله للقائمين على هذا العمل التوفيق والسداد.

ذبائح تقدم وصحون ملأى وما يؤكل لا يزيد على النصف مما يقدم

أليس بالامكان ان تقدم ذبائح معدودة وعلى شكل بوفيه أو ميز دون أن يكون هناك اسراف وهدر.. فلو حصرنا عدد ما ذبح من ابل وخراف خلال شهر لتجاوز المئات.. فكم هي قيمتها وتكلفة طبخها وتقديمها؟

أفراح لها طابعها واحتفاليتها، توحي لك بأن الليل لم يعد ليلا بل هو النهار، والنوم أصبح لا يأتينا إلا في النهار والأفراح عنوان محبة تقابل من لم تره منذ أشهر وربما سنة أو أكثر، تجسر الفجوة وترتق العلاقة.

في شمال القلب، شمال الوطن للأعراس فيها صور وللصيف فيها متعة وبهجة يلتئم الشمل وتصفو النفوس وتغرد أطيار الفرح هنا وهناك، طبيعة تنقلك إلى صفاء الليل وعذوبة نسائمه، بساطة اللقاء مشرعة على بساط صحرائها وسهولها والضحكة تعكس صفاء القلوب ونقاءها، وأن تركنا الصحراء وطقوس الأعراس فيها، ذهب (الهودج) و(المصنّع) و(الدفوع) و(البرزة) وحل مكانها صالة الأفراح والكوشة والكوافيرة، وفقدنا لغة القصيد ومفردات الدحة والحاشي وزفة العريس وغير ذلك من صور تقادمت وأدخلت في ذاكرة الأيام، لكن تبقى للأعراس في القريات طعم الأمس بمذاق اليوم ولها صورة من ملامح الأمس، رسوم وألوان في بوابة الوطن يبقى الأمس مجسداً وان غزته بعض الأمور وغيرت من ملامحه.. إنما الجوهر باق ما بقي الإنسان فيها يتنفس الهواء ويمشي على الأرض.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد