حينما يكون الحديث عن الوطن، تتوارى كل الأحاديث جانبا، تنزوي كل المواضيع خجلا.
فمن ذا الذي يضاهي الوطن عطاءً؟.. وأي حب يقدم على حبه؟
في حضرة الوطن... لا نملك إلا أن نصغي حبا وكرامة، فداء وشهامة.
الوطن جزء لا يتجزأ من ذواتنا، هو هويتنا، وأشد جزء نلتصق به من الوطن تلك البقعة التي نشأنا عليها، تجانسنا مع طبيعة أرضها وجوها، فلا نستسيغ العيش أبدا بغيرها، ولا نأنس بالبعد عنها، ولا يطيب لنا المقام إن نحن أطلنا الغياب.
هكذا نحن، أبناء القريات، هذا الجزء القصي مكانا، والدانيّ قلبا وإنسانا، نحبها.. بالرغم من بساطتها ومحدودية كل شيء فيها، نحب رمالها وصخورها وجبالها، ألفّنا صقيعها ببرودته. ويؤنسنا صيفها بلياليه الماتعة, عشقنا نسمات ليلها العليل, ونعشق صقيع شتائها حين يلوذ بنا ونلوذ منه بالجمر، نحب الربيع فيها وإن كان يغادرنا على عجل، نحب خريفها بأشجاره اللاحية العارية.
القريات... بوابة الوطن، ذات التاريخ الطويل والعريق، المدخل الشماليّ، أرض الملح... أرض الزيتون.. الأرض التي تحتضن كل قادم بترحاب وبشاشة، من الشمال نبدأ، وإليه ننتهي، في سيرة ومسيرة.
محررة