Al Jazirah NewsPaper Monday  13/07/2009 G Issue 13437
الأثنين 20 رجب 1430   العدد  13437

قرى القريات.. تستحيل اطلالا

 

نخل يموت.. بيوت تتهاوى.. والمعاملة.. نصف قرن لم تكفها!!

** من منا يا أهل القرى لم يتباكَ.. ومن منا يا أهل القرى لم يحزنه واقع قرى حضنت خطواته.. لمشاهد وصور من قرى الجود.. من تلك القرى تستيقظ الذاكرة.. ويزم الوجع كلما رأيت نخلة جادت بثمرها ذات يوم تخر أرضا.. ومضافة احتضنت من جاء باحثا عن الجود تهاوت أركانها.. بدر فندي شاهد الصورة فكان توجّده شعراً، فأناخ مطايا شعره في مناخ القوافل.

يا عمّة الناس وأنت للزمن قمحه

وأنت لبستاننا صُفره ونواره

لا ما نسيناك يا أم الغُرّه السمحة

دارت لياليك والأيام دوّاره

كنتِ بذاك الزمان اللي مضى فرحه

كنتِ زهابه ومخزونه لمسفاره

كنتِ طعام الفقير اللي شكى جرحه

وكنتِ قدوع الغنيّ اللي فتح داره

اشوف غُرّتك شابت من ورى الطرحه

وأشوف جذعك تكاثر فوقه غباره

لا بد ملح ديارنا ينتشي صبحه

ونشوف نخل القرايا تشبع أطياره

وترجع جنايس نخلنا والعذر صُلحه

معذور الإنسان لا من قدّم أعذاره

(الشاعر: بدر الفندي)

** لن ينضب الحبر طالما القلائد حاضرة في محبرتنا وحروف أسمائها تنير لنا العتمة، وتشعل في سماء الفكر فتيلاً. وتجدد للحرف حبره وللأوراق ألوانها وزهوها.

تظل هذه الحسان.. في امسها.. نبعا يتدفق لنا اليوم ليُروي هذا العطش.. يُطفئ هذا الظمأ،.

نجد أنهن زاد.. يشتاق القلم لغزلهن.. يطارحهن.. يطرب.. حين يبُحن بسرٍّ جدير بالكتابة.

* النخلة جزء من تاريخهن.. كما هو الملح كل التاريخ.. أو قد يكون كذلك.. أو هو كما أظن..

** صيفنا.. جاء.. انتظرنا المنقِّد.. جائعون.. هو التمر.. ننتظر.

ومضى الصيف ولا تمر جادت به نخيل القرى.

** القرى.. تبكي نخيلها.. كما تباكت على جدران الطين من قبل.

* كيف نخلك يا إثره؟ كيف صُفر العليان يا كاف.. يا عين.. يا منوه.. يا قرقر؟!

صمت.. صمت.. ولايجيب سوى الصمت.. لا بواكي لكن.. ولا دموع تُذرف عليكن.

* يا قرى الوادي

ما بال النخيل.. سُجّدا؟؟؟

نخلة تعانق الثرى وأُخرُ تجثو على الأرض ونخيل شابت ذوائبه.. أين الاخضرار؟

أين تركوها؟ غابوا.. ارتحلوا!!! إلى أي الجهات مضوا؟؟؟

قد كان النخل عندهم كالروح..

* مررت بها.. طرحت السلام ولم تجب..

* أسأل ذاكرتي عن صور.. قد تكون منسيّة.. غائبة.. لم يعد شيء.. سوى النخيل هو الذاكرة الباقية في هذه الأمكنة.

** رأيته ذات صيف،، قبل القيلولة.

فتذكرته اليوم.. أين أنت يا مُدلِّل النخل؟؟ يا من أشقيت يديك وأتعبت أقدامك. ها هو يذكرك بعد ان افتقد رعايتك.. مات.. تساقط.. بعد ان ملأ البطون. أقرى وأشبع.

** للنخيل في القرى رائحة. ولها في القلوب مكان. قد كان ذلك فيما مضى. واليوم أهملت.. هرمت.. فتساقطت جزعاً مما حل بها.

أُدير لها الظهر.. وأُشيح بالنظر عنهاز

* يقول أوتنج: في مساء يوم الخميس 13 سبتمبر عام 1883م وهو في ضيافة شيخ قرية كاف، تم تقديم بلح طازج للمجلس وأُلحِق خياراً طوله متر!!!.

* هذه لمحة أوردها مستشرق تؤكد أهمية النخلة واهتمامهم بها منذ قرن ونصف فأينه مما هي عليه الحال اليوم!!!

* نخيل طاولتها الرمال وغيدٌ شاخت وذوائبها شابت،.

البقعة الخضراء.. أصفرّت.. وتساقط منها ما يجعل الآخر يخرّن صرعى

* من تعنيهم هذه المباركة.. . الصورة محزنة وأنت تتأمل البقايا يصارعن من أجل البقاء.

* هل يصدق الحدس..؟ وهل يمتثل التوقع والحلم لرغبة الإنسان وهواه.

قد يكون.. ولكنه في الغالب حلم ليل وأمل لا تطوله القدرة ولا تلحق به الأمنيات نخيل.. عاش.. في زمن الخصب.. أهمل حين شحت القدره وغارت الإمكانات وتداعت الكثير من المنغصات وتكالبت عليها الظروف

* منها ماهو طبيعي ومنها ما هو غير ذلك. فمن بين أهم هذه العوامل ارتفاع نسبة الملوحة بالتربه وطمر الرمال وضعف إمكانات اهالي هذه القرى وقد صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - غفر الله له - حين كان وزيرا للداخليه ذو الرقم 12030 وتاريخ 11-7-1383ه والمتمثل بأمره القاضي بتعويضهم عن ممتلكاتهم ومنحهم الاراضي السكنية والزراعية. اثر هذا الأمر.. وفدت لجان تعقبها لجان وكل لجنة ترى صواب توجهها وتنقض توجه اللجنة الأخرى وبعد ما يقارب النصف القرن من ذلك الأمر الذي لم يكن إلا ورقة واحدة تتحول المعاملة إلى كيس من الاوراق وتتمخض تلك الاراء عن تصور لا يتجاوز التوجيه للدوائر المعنية بالمساعدة في تنظيف الابار وازاحة الرمال وإعطاء الصكوك الشرعية وفق الإجراءات المعمول بها!!

* فهل تنظيف الابار يعيد للماء جريانه؟؟ وهل تنظيف الرمال سيعيد البيوت عامرة كما كانت؟؟؟ وهل وهل وهل؟؟؟ أسئلة كثيرة تستيقظ وكأن نصف قرن مضى على تدهور حال هذه القرى يعيدها للحياة توجيه اضاع انتظار تلك السنين..

* قد مات النخل وخلت المنازل ودفنت المضافات وتساقطت الجدران واصبحت تلك القرى اليوم سكنا للبوم الفرحة بالخراب.

* هنا.. اعتدت ان اقف فوق هذا الكوم الرملي كل نهار.. اصعده خطوة.. خطوة.. استأنس به.. تؤنسني إشرافته.

* على هذا المرتفع علّقت أيام انتظاري وانخت راحلتي واطلت مقامي..

هناك.. على بعد خطوات.. اشاهد بيوت الطين.. اشاهد ذاكرتي.. واشاهد ذاكرة المكان واترحم على من ذكرتني بهم الذاكرة.

* خلف الطين.. طين وزوايا ونخلة وغراب يحوم في الفضاء.. يراقص الهواء وكأنه في احتفالية تقام على شرف الخراب.. الحطام.

* تعود بي اطياف المكان لتبتزّ مني عبرات.. تموج فيّ كموج بحر.. تميل بي كلما مال الجريد.. كلما صافح الهواء جدار الطين بعنف..

* تختفي ملامح.. تستحيل إلى ركام.. واستحيل إلى همهمات مطحونة وتتساقط الادمع كجمرة الهشيم.

* يتلاشى الشعور.. وتترمد المشاعر.. ويختفي الحضور بين الجدار والجدار.. يغادرون.. إلى الفناء.. وانا الوحيد هنا ادندن الغناء.. ألوذ بالحنين في توجُّد يبكين.. يذيقني المرار!!!!!!

سليم الحريص


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد