Al Jazirah NewsPaper Monday  13/07/2009 G Issue 13437
الأثنين 20 رجب 1430   العدد  13437

حكاية المتنبي ومؤسسات التقييم الائتماني!
ماجد بن ناصر العُمري

 

يحكى أن المتنبي في مقتبل عمره أراد أن يشتري (بطيخاً) من السوق فنظر إليه البائع بكِبر ثم قال له إن سعرها (بعشرة دراهم) فمرَّ أمامهم أحد كبار التجار فلحقه البائع وعرض عليه البطيخ بسعر (درهمين) مع خدمة التوصيل المجاني! فقام المتنبي بعتاب البائع واصفاً إياه بالحمق، فرد البائع: ألا تعرف أن هذا التاجر يمتلك (مائة ألف دينار)!

إن المتأمل لتداعيات الأزمة المالية العالمية سيتملكه العديد من علامات التعجب مستذكراً أسلوب بائع البطيخ! فعدد من الشركات العالمية الحاصلة على أعلى درجات التقييم الإئتماني أعلنت إفلاسها! كما أن البنوك التي تتباهى بالمعايير الائتمانية المتحفظة ومنها بنوكنا قد تعرضت للارتباك والتخوف جراء تعثر عدد من كبرى البيوت الاستثمارية العريقة!

كما أن (برنارد مادوف) الذي مارس عملية احتيال بقيمة تتجاوز50 مليار دولار كان من ضمن ضحاياه عدد من أكبر البنوك والمؤسسات المالية في العالم والتي تثير الكثير الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب؟!

فأين خبراء الاقتصاد؟ وأين الأبحاث والدراسات والخطط؟ أين المعايير وتقييم درجات المخاطر؟ أين من كانوا ينظِّرون علينا؟!

وكأني أسمعُ صوت الإقتصاد العالمي يردد بيت المتنبي:

إليَّ لعَمري قصدُ كُلّ عجيبةٍ

كأني عجيبٌ في عُيونِ العجائبِ!

فما الفرق بين كبار ضحايا مادوف وعلى رأسهم (HSBC وعدد من البنوك السويسرية والفرنسية واليابانية والبريطانية وغيرها) وبين المواطن السعودي الغلبان الذي باع ما يملكه من الأغنام والتي لاتتجاوز عدد اصابع اليد ووضعها في إحدى اسهم الخشاش في سوقنا أيام موجة المضاربات في 2006 وذهبت (هباءً منثوراً) وعاد إلى زوجته يندب حظّه المسكين! وكان خبراؤنا الأفاضل يلومونه على جهله!

لذلك، علينا أن نُعيد النظر في ما نردده من أقوال خبراء الاقتصاد في العالم، وأن نمحو ما في ذاكرتنا من الصور المبهرة للأسماء التجارية الرنانة ذات الهيبة والوقار والمرعبة أحياناً من شدة هيبتها لدى البعض! ولنعد إلى المنهج العلمي الصحيح، مع التأمل في الواقع بعمق بعيداً عن الفقاعات الإعلامية، مستندين إلى القواعد العلمية والعملية الاقتصادية السليمة، مع التأمل والبحث والدراسة بعمق في ما لدينا من إعجاز اقتصادي إسلامي، لعمارة الأرض، والتنمية الحقيقية، المستندة إلى المنهج الرباني، مع مراجعة كل ما ينسب لها بالنظر للمآلات والمقاصد وليس للوسائل والتشريعات فقط؛ فذلك هو الأهم والمؤدي بنا إلى الاقتصاد الأمثل، كما أنه علينا أن لا ننفي كل ماتعلمناه من الغرب، بل نعمل من خلال المعايير السليمة دون النظر إلى الأسماء المبهرة.

اذكر أن القصيبي كان له تعريفاً مختصراً للإدارة الناجحة وهي (معرفة القرار الصحيح، اتخاذ القرار الصحيح، تنفيذ القرار الصحيح) ولاتصبحوا كبائع البطيخ!

كاتب ورجل أعمال - majed@alomari.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد