Al Jazirah NewsPaper Monday  13/07/2009 G Issue 13437
الأثنين 20 رجب 1430   العدد  13437
بين قولين
بعد التبرع
عبدالحفيظ الشمري

 

بل أشهر قليلة، وحينما كُنَّا نتجول في جنبات وأروقة وبيوت القرية الشعبية والتراثية في الجنادرية، كان من بين موجودات التراث، وبقايا الماضي ما يلفت النظر فعلاً، ويجعلك تتوقف لديه، وتتأمل في تفاصيل وجوده وأسباب حضوره.

لم يكن المشهد له علاقة بالتراث، إنما هي حملة عصرية، يقوم بأداء رسالتها مجموعة من الشباب، ببدل زرقاء وخضراء، وبأيديهم مطويات وأوراق بيضاء وحمراء، فما كان منا إلا استمعنا إلى ما يريده هؤلاء، لأن الكل في قرية الجنادرية يناديك، ويعرض بضاعته عليك. فهؤلاء الأطباء أو من هم على وشك التخرج لم يكونوا كسائر محتويات التراث في هذه القرية، فالشباب بلباسهم الطبي يريدون مِنَّا أن نتبرع، لكن ليس بالدم، حيث تقوم سيارة وزارة الصحة بالواجب، وكذلك سيارة المستشفى الملك فيصل التخصصي الأكبر منها حجماً تمارس نفس الدور بكل نشاط. لم يكن أمر التبرع بالدم هو المقصود، إنما الذي يريده الأطباء الشباب هو (التبرع بالأعضاء)، فما إن قاموا بشرح أهمية التبرع بالأعضاء، إلا وينفض الكثير من حولهم، ولم يصمد في هذا المشهد سوى اثنين وأنا ثالثهم، فلم نسمع من المنصرفين إلا بعض المقولات، منها: (مهو وقته يا الحبيب)، أو (بعدين)، فالرجال والشباب من حولنا تبخروا حينما سمعوا بأمر التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فمنهم من حوقل، وآخر تعوذ، وواحد سمعته يقول: (الله يكفينا شركم.. وش هالفال الشين، فال الله ولا فالك يا شين..)!! بقيت (أنا) - والعياذ بالله من داء أنا - صامداً أستمع للطبيب الشاب الذي يذكرني بكل مودة وأخوة، وما يتوسمه لدي من رغبة بأهمية هذا المشروع الحضاري، ليعرض أمامي ما لديه من حجج وبراهين حول أهمية أن نتبرع جميعاً بالصالح من أعضائنا بعد الممات المبدئي الذي سماه الأخ الطبيب الشاب (الوفاة الدماغية).. ولم يبخل علينا بكل ما يملكون من وسائل ترغيب وتعريف بأمر هذا المشروع الإنساني، ليطلعنا على الفتاوى التي تدعم هذه الخطوة النبيلة، والفكرة الحضارية النيرة، فما كان من محبكم إلا أن وافق وعن طيب خاطر وبقناعة تامة أن يتبرع بكل ما صلح من أعضائه بعد موته بحول الله وقدرته، ولن يتراجع. لقد وافقت، ووقعت، لأنضم إلى قافلة المتبرعين بأعضائهم، فأردت بذلك وجه الله، لكن الأمر بدأ لدي وكأنه من قبيل (الفزعة) أو الموقف العصامي العاطفي، أو النزوة حينما علمت أن نظام التبرع بالأعضاء لم يتبلور بعد، ولم يُصَغ بكامل حيثياته، وأعماله وأبوابه وبنوده، إذ إن أهم ما في هذا الأمر هو أن يكون المتبرع قد نجح في التأمين على حياته، شأنه بذلك شأن كل المتبرعين في كل مكان من العالم. لقد تبرعت وقضي الأمر، ولن أتراجع، إلا أن الأمل يحدونا أن تتحقق شرطية التبرع بالأعضاء حينما يتم التأكيد على المتبرع أن يكون منخرطاً بمشروع التأمين على الحياة.



Hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد