Al Jazirah NewsPaper Monday  13/07/2009 G Issue 13437
الأثنين 20 رجب 1430   العدد  13437
تداعي الأمم على أمتنا
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

هناك آثار عديدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، تدل على أنه سيحدث للمسلمين وبينهم أمور ذات دلالات على أنهم في آخر الزمان.. ومن ذلك إسناد الأمور إلى من هم ليسوا أهلاً لها. وهذا واضح مشاهد الآن في كثير من أقطار المسلمين، الذين أصبحوا -

رغم كثرتهم - غثاء كغثاء السيل، ومن تلك الآثار ما يدل على أن المسلمين في آخر الزمان ستتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.

وقبل ثلاثة أيام - وأنا اكتب هذه السطور لمقالتي هذا اليوم - وقفت متأملاً في أحداث الأسابيع الماضية القريبة. وكان أخيرها وليس حتماً آخرها، لا يُرخي سدول ليله على تركستان الشرقية، المنطقة التي أصبحت جزءاً من حين الثورة الكبرى الشيوعية في تلك البلاد، ولا تسل كيف أصبحت كذلك، ولا كيف ملئت رحابها بأناس لم يكونوا من أهلها؛ بل من جهات صينية متعددة؛ وذلك لإضعاف هويتها الإسلامية، إن لم يتم القضاء عليها.

الأحداث كلها تشير إلى توحد القوى غير المسلمة ذات الكلمة المسموعة والنفوذ القوي في العالم في مواقفها، أو في أكثر مواقفها، على الوقوف ضد الإسلام والمسلمين، وأن ما يعرض من بضاعة الحوار بين الأديان والحضارات أمر أقل ما يمكن أن يقال عنه: إنه ليس سهل المنال إيجابياً رغم نوايا المخلصين الطيبة، أن يطلق أفراد من غير المسلمين هنا أو هناك تصريحات تطرب ولا تغني من الحق شيئاً تصريحات منها ما دوافعها صادقة - فيما يبدو - ومنها ما دوافعها الحصول على مكاسب خاصة فهذا - في نظري - لا يدل ما حدث في الأسابيع المشار إليها، وما لا يزال يحدث، على أنه لقي آذاناً صاغية لدى من يحسب لمواقفهم ألف حساب، أو أنه الطريقة المثلى للتأثير على مواقف من أعلنوها - وما برحوا يعلنونها - صريحة ضد الإسلام والمسلمين.

في الأسابيع الماضية رأى المتابعون للأحداث كيف توصلت الحكومة الباكستانية إلى صلح مع معارضيها بشدة في إقليم من باكستان بين بنوده السماح لأولئك المعارضين بتطبيق الشريعة الإسلامية في منطقتهم. وكان من المحتمل أن يؤدي ذلك الصلح إلى تفادي ما حدث من نتائج مأساوية، لكن كأني بلسان حال من يهيمنون حقيقة على سير الأحداث في تلك الجهات قد استعمل أسلوب العامة الذي مضمونه: (بَعَد بَعَد.. ما بقي إلا السماح بتطبيق الشريعة) فكان أن ذهب ذلك الصلح أدراج الرياح.

وفي الأسابيع الماضية شاهد الجميع تجلياً من تجليات رئيس فرنسا، ومن المعلوم أن فرنسا بلد الثورة التي كان في طليعة أسسها المناداة بالحرية بإعلانه من تجليات صريحة مدوية بأن بلاده لن تسمح للمرأة المسلمة أن ترتدي الحجاب. بل لم يقتصر على إعلانه عدم السماح بذلك - مخالفاً مخالفة صريحة لمبدأ الحرية - وإنما زاد عليه بأن أظهر الحجاب على أنه رمز لدين يدل على التخلف، وأنه استعباد للمرأة.

وفي الأسابيع الماضية شاهد العالم ما ارتكب ضد المسلمة مروة الشربيني في وسط محكمة بألمانيا؛ حيث أقدم من كانت تتهمه بالقيام بما يمس حقوقها على طعنها أمام الجميع أكثر من خمس عشرة طعنة توفيت بسببها. ولا تسل كيف دخل ذلك المتهم إلى المحكمة بالسلاح في بلاد يفترض أن أجهزتها الأمنية مؤهلة للقيام بواجبها. وإذا كانت تلك الجريمة قد ارتكبت بالطريقة التي ارتكبت بها فإنه لم يكن غريبا عدم اهتمام أجهزة الإعلام بالموضوع، وبخاصة أن الضحية من بلد جعل قادة الكيان الصهيوني قواتهم تمر على أجساد جنوده وضباطه وهم أحياء دون أن يثير المسؤولين فيه تلك المسألة أمام المنظمات العالمية.

وفي الأسابيع الماضية، وافقت الدولة الروسية على أن تسمح لأمريكا بأن تمر قواتها وأسلحتها على أراضيها وعبر مجالها الجوي في طريقها إلى أفغانستان لتقوية احتلالها هناك، والقضاء على أولئك الذين وقفوا ضد ذلك الاحتلال بغض النظر عن اختلاف من يختلفون معهم من المسلمين من توجهاتهم الفكرية أو لا يختلفون. ذلك أن الهدف ضرب فئة إسلامية ظهرت في بلد إسلامي كانت مقاومة أهله لقوات السوفيت سبباً من أسباب انهيار الامبراطورية السوفيتية، وأن أمريكا قد أغمضت عينيها حادتي النظر عما ارتكبته القوات السوفيتية في الشيشان.

وفي الأسابيع الماضية حدث الخطابان اللذان اهتمت بهما وسائل الإعلام المختلفة: خطاب أوباما وخطاب نتنياهو. وهما، كما يدرك كل متأمل، لا يختلفان في الموقف من المسائل الجوهرية الخاصة بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني غير أن خطاب الأول فيه سكوت عن تلك المسائل، وهو سكوت لا يدل على موقف واضح في حين خطاب الثاني كان واضح الصلف والتحدي. على أن تداعي أعداء أمتنا عليها اتضح في مسارعة عدد من زعماء أولئك الأعداء إلى الترحيب بخطاب نتنياهو مع أنه كان متضمنا أن لا عودة للاجئين، وأن دولته (يهودية) بما في ذلك من دلالة يتوقع أن يبنى عليها ما يبنى من نتائج أكثر مما هو واقع الآن، وأن لا مجال لعودة ما احتل من القدس عام 1967م إلى السيادة العربية الإسلامية التي كانت ترفرف أعلامها عليها، وأن لا عودة إلى حدود ما قبل حرب ذلك العام، وأن لا مجال لإقامة الفلسطينيين كياناً يمكن تسميته دولة في حقيقة الأمر.

وفي الأسابيع الماضية تداعى أعداء أمتنا عليها بأن حصروا قضية فلسطين والشعب الفلسطيني في مسألة واحدة؛ وهي أن يوقف توسيع المستوطنات التي قطعت أوصال الضفة الغربية في فلسطين، أو لا يوقف وكأن بناءها أساساً كان شرعياً، علماً أن وسائل الإعلام قبل يومين سربت معلومات بأن الدولة ذات الصولة والجولة في العالم لن توقف بناء ألفين وخمس مائة وحدة سكنية هناك. أما تداعي أولئك الأعداء حول الجندي الصهيوني المأسور فغير مستغرب لا من الزعماء السياسيين ولا من البابا، الذي أبت عليه أريحيته إلا أن يزور أسرته دون أن يذكر حتى من باب النفاق الآلاف المسجونين من الفلسطينيين أو ضحايا الإرهاب الصهيوني ضدهم، على أن حمى التداعي أخذت تنتشر كما تنتشر انفلونزا الخنازير لتشمل أناساً من أبناء جلدتنا راحوا يبشرون بأن إطلاق سراحه قريب دون أن يطالبوا بإطلاق سراح النساء الفلسطينيات أو الأطفال الفلسطينيين من سجون الصهاينة؛ ناهيك عن الرجال.

والسؤال هو: هل يلام غير المسلمين إذا اتخذوا تلك المواقف الواضحة الدلالة على عداء متحكم في النفوس للإسلام والمسلمين؟ لا أظن من المنطق السليم أن يلام أولئك المرتكبون للجرائم ضد أمتنا ما يرتكبون لأسباب، منها اثنان واضحان: الأول أن عداءهم راسخ بحيث لا يمكن أن تصبح مواقفهم مختلفة من حيث الجوهر عن مواقف سبق أن اتخذها أسلافهم؛ ابتداء من العهد النبوي، ومروراً بالحروب التي سميت بالصليبية، وبالمجازر التي ارتكبوها في عمليات احتلالهم ما احتلوه من بلدان المسلمين في آسيا وأفريقيا حتى الوقت الحاضر. والثاني أن المسلمين - قادة وشعوباً - على العموم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف عن أي مقاومة للأعداء؛ وذلك نتيجة ما وصلوا إليه من الانهيار، فقد إرادة وانعدام ثقة بعضهم ببعض، وضعفاً بسبب وجود الأمرين كليهما أمام إرادة أعدائهم الأقوياء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد