تكاد لا تغيب أخبار انتحار بعض الأفراد من أعالي جسور مدينة الرياض كثيراً عن أخبار المحليات في الجرائد اليومية، كان آخرها الخبر الذي تناقلته الصحف عن مواطن في العقد الخامس من العمر أنهى حياته بإلقاء نفسه من على أحد الجسور جنوب الرياض، وقال شهود عيان: إن المواطن أوقف سيارته من نوع (متسوبيشي) ثم ترجل ورمى بنفسه من أعلى النفق ليفارق الحياة فور سقوطه، ورغم ازدياد حوادث الانتحار في السنوات الأخيرة إلا أنه لا توجد إحصائية دقيقة عنها في المجتمع السعودي، لكنها حسب الأخبار المحلية تكاد تنحصر في الذكور من البالغين، بينما ترتفع نسب انتحار النساء المتزوجات في اليمن عن الرجال، وسيظل الأمر موضوعا للأخذ والرد ما لم يتم إجراء دراسات وإحصائيات تبحث في ما وراء ازدياد حالات الانتحار عند الرجال في السعودية وعند النساء في اليمن.
كان الطبيب الأمريكي (جاك كيفوركيان) 81 عاما صاحب أول تجربة في التاريخ لتقديم خدمة الانتحار في العيادة الخاصة، ويعتبر أول فعل طبي منظم لإنهاء حياة أولئك الذين فقدوا الأمل، واختاروا أن ينهوا حياتهم بأيديهم، فقد قدم المساعدة لأكثر من 150 حالة انتحار، وبعد العديد من المعارك في ساحات القضاء، تمت إدانته بالقتل من الدرجة الثانية في عام 1999 بعد أن صور بالفيديو عملية إنهاء حياة شخص مريض وأرسل الشريط لشبكة تليفزيون أجنبية، وتم الحكم عليه بالسجن لفترة من 10 إلى 25 عاما، إلا أنه أطلق سراحه بعد أن قضى 8 أعوام في السجن، وما فعله يعتبر خروجا عن الأخلاقيات الطبية ومختلف الشرائع والقوانين.. إلا أنه رغم ذلك وجد من يدافع عنه في المحكمة، وتبرير ما يقدمه من خدمات بناءً على طلب وإقرار شخصي من مقدم طلب الانتحار.
الانتحار أمر غير مشروع عند المؤمنين بالله وعند غير المؤمنين أيضاً؛ لأن المرء عندما يصل إلى اتخاذ قرار الخلاص بنفسه من الحياة هو بمثابة الإقرار بأن الحياة لم يعد لها معنى، ويجب أن تتوقف، وإذا وصل لهذه القناعة لم يعد أمامه إلا الوصول إلى تنفيذ القرار، الذي يتم بناؤه تدريحيا من أجل يصل إلى تلك الحالة التي تجعله في منتهى الشجاعة لكي يرمي نفسه من أعالي الجسر المعلق في المدينة.
الحياة غريزة متأصلة في فطرة الإنسان، وتمثل تلك القوة الدافعة التي تجعله لا يتوقف في البحث عن السعادة واحترام الذات والوصول إلى القناعة في حياته اليومية، وتستمر غريزة الحياة مع الإنسان إلى آخر يوم في حياته، بينما يمثل الانتحار انهيار إرادة الحياة وتلاشي غريزة حب الحياة، وهي قمة الكآبة والفشل في مقاومة التحديات النفسية والمعيشية في حياة الإنسان.
والانتحار يتجاوز حصره فقط في قرار الإنسان إنهاء حياته إلى مفاهيم أكثر شمولاً، فالحضارة قد تنتحر تدريجياً أو فجأة، وتفقد إرادة التغيير وتجاوز الصعوبات، وتكون صفة انتحارها عندما تستسلم أمام الغزوات، وتعطي إرادتها لى الآخر، ثم تفقد غريزة الحياة وإرادة التفوق أمام العدو، فالعرب وصلوا إلى تلك المرحلة بعد انهيار الحضارة الأندلسية، التي تبعتها انهيارات تدريجية ومتلاحقة لإرادة الحياة، حتى وصلوا إلى حضيض الهزيمة تحت الاستعمار الأجنبي، لينتشر الفساد وتزداد نسب الدعارة في بعض المناطق إلى نسب عالية جديدة.. وما زالوا إلى الآن يبحثون عن تلك الغريزة التي جعلتهم يوماً ما سادة الأرض من أقصى الأرض إلى أدناها.
وفي مثال الانتحار الحضاري المفاجئ ما أقدم عليه أدولف هتلر عندما أفرغ رصاصة في رأسه ليعلن خروجا نهائيا للنازية من التاريخ الحديث، وكان قرار انتحاره صائباً، فقد أخرج ألمانيا من دائرة الموت البطيء إلى سرعة العودة إلى ركب الحضارة.. بينما تظل تحديات الحضارات التي اختارت الموت البطيء أصعب، وذلك لأن العودة إلى ركب الحضارة في حالتهم تحتاج إلى زمن أطول وأطول بكثير من زمن إنهائها تدريجياً.