Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/07/2009 G Issue 13433
الخميس 16 رجب 1430   العدد  13433
رجل الأعمال وكرات السيرك
د.خالد محمد الخضر

 

اعتاد رجل الأعمال على العمل والغوص فيه ومعايشته وتنفسه والعيش فيه جسداً وروحاً. وإن أنت أردت أن تقتل معنويات بعض رجال الأعمال فأوقفه عن العمل ولو لأيام معدودة، للخصائص التي يتمتع بها رجل الأعمال في العالم قاطبة أثر على تكوينه وسلوكه وعشقه وممارسته، فإن أنت نظرت إلى متعة الرسام وهو يحلق في رسم أحد لوحاته ويستمتع بأدواته وفرشه ورائحة الألوان والأصباغ، وكذلك إن أنت أمعنت النظر وأطلقت البصر إلى ذلك العازف وهو يتمايل ذات اليمين وذات الشمال على آلته الموسيقية ويسرح بخيالاته ويجنح بأحلامه ومشاعره ليعزف نوته موسيقيه ذات أثر على النفوس وقلوب العشاق، فإنك ترى تلك الصورة جلية متجسدة بأروع معانيها وأنت تراقب التاجر ورجل الأعمال وهو يمارس عمله في متجره أو مكتبه أو شركته بكثير من الحبور والعشق والهيام والمداعبة، شأنه شأن العاشق مع معشوقته أو الأم مع وليدها الغائب الحاضر. إن للعمل متعة وأية متعة لا يستشعرها إلا ذلك التاجر الذي بنى هذا الصرح أو تلك المنشأة وهو يرقب النجاحات تلو النجاحات تتجسد بين ناظريه بأشكال مختلفة.. زيادة في الفروع، أرقام في البنوك، صور في الصحف والمجلات. إن ذلك عشق لا يوازيه عشق، وفي خضم تلك المزيج من المتعة والعناء والكد والهناء يسرق الوقت هذا التاجر من أبسط أبجديات الحياة وأيسر سبل الأولويات فتتبعثر الأوراق ويزداد العناء لترتيب تلك الأوراق وتنظيمها. فالحياة الاجتماعية تبدأ بالانحسار، والحياة الثقافية والفكرية تحلق بعيداً عن أفلاك حياته ودوائره، كذلك الحياة العاطفية تطير بعيداً إلى غير ذي رجعة، والحياة الإنسانية والمشاعرية هي الأخرى تبدأ بالزوال والأفول ثم يبدأ - رجل الأعمال- بالاتجاه عكس عقارب الساعة ونواميس الكون للّحاق بما فاته من تلكم الحياة وقد يكون في الأمر صعوبة أو مبالغة في التناول أو الممارسة عن ذلك التعويض. رجل الأعمال في بلدنا بلد الإسلام ومهبط الوحي هو في الأخير مواطن يعي دوره جيداً ويمارسه بشكل مشرف وراق، وهي ممارسة يجلّها ويحترمها البعيد قبل القريب ولكني من خلال اقترابي من كثير من رجال الأعمال أجد أن معظم رجال الأعمال لدينا لا يمارس حياته بشكل متوازن أو يكاد، فالحياة فيها كثير من الشطط وتجنح للعمل جنوحاً مبالغاً فيه من خلال الممارسة المغلوطة في كثير من الأحيان لمفهوم التجارة وكيفية معايشتها. رجل الأعمال يقوم بلعبة دوائر السيرك بشكل أحادي فهو لا يستطيع أن يتلاعب إلا بكرة واحدة وهي كرة التجارة بينما تسقط الكرات الأخرى بعيداً عن السيطرة والتحكم! الاسترخاء، والتخطيط الهادئ، والإشباع الفكري، والتثقيف الذاتي، والتطوير الشخصي، وإعادة البناء لذات التاجر، والحصول على الدورات، وملاحقة كل جديد لا تمارس بالشكل المطلوب من رجل الأعمال العربي إلا بنطاقها الضيق. التاجر في الدول المتقدمة لديه برنامج متكامل ومتوازن فكرياً ومالياً واجتماعياً وشخصياً وما إلى ذلك من لعبة التوازنات التي تعطي هذا التاجر روحاً ونكهة وذوقاً وطعماً ومذاقاً للحياة. فالحياة ليست كلها عملاً ومالاً، هناك أبعاد أخرى للحياة. الحياة تقوم على مبدأ التوازنات والإشباع المتوازي لمناحي وأبعاد الحياة الشاملة..، هل التاجر لدينا يمارس ذلك الاستمتاع ويتذوقه بشكل مرتفع؟! لا أدري!! قال لي أحد التجار الأعزاء إنه كان في أحد سفراته الخارجية وأراد أن يجري فحصاً طبياً لشخصه فقال له الطبيب بعد الفحص: هل تمارس دوراً إنسانياً خلال حياتك؟ فرد التاجر بنعم.. بعض المشاركات الشعبية أو المهنية. قال له هذا الطبيب: أريد ممارسة إنسانية فعلية كأن تزور بنفسك دار الأيام أو دار العجزة أو المرضى المتوحدين ثم تمارس معهم أدواراً فعلية ومشاركات وجدانية فتتناول الغداء معهم أو تتجاذب الأحاديث فيما بينكم مشاركة فعلية لا نظرية أو هامشية، وكذلك عليك زيارة أصحاب الإعاقات من الدرجة الأولى ثم تلاطفهم وتتعامل معهم عن قرب وتساعدهم وتمسح دمعتهم وترفع معنوياتهم..؟! اعمل ذلك خلال الأسبوع ثلاثة ساعات فقط ستجد أن الأصباغ الكيمائية الإيجابية داخل نفسك وشخصك ومشاعرك قد تغيرت وارتفع مستوى الرضاء عن الذات وشعرت بكثير من الغبطة وانخفض مستوى السكر والضغط لديك وأنت تمارس تلك العملية الإنسانية ممارسة معاشة ولصيقة وليس من خلال الشيكات والوسطاء! ستجد أن النتيجة فاعلة ومؤكدة وإيجابية! فقام هذا الصديق التاجر بتطبيق تلك الوصفة وكانت النتائج مبهرة وعظيمة! لا شك أن إسلامنا نادى بذلك وأكد على ذلك وعمل النهج القويم لذلك لكننا في زحمة التحديات والضغوط المادية والتنافس الشرس!! نسينا أو تناسينا المنهجية الدينية القويمة التي سبقنا في الواقع إليها آباؤنا وأجدادنا السابقون حينما طبقوا تلك المنهجية عملاً وسلوكاً، الكل منا يحتاج إلى لعبة التوازنات لنعيش أسوياء!

كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد