Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/07/2009 G Issue 13429
الأحد 12 رجب 1430   العدد  13429

فقيه من بريدة.. الشيخ عبد الرحمن الجطيلي - رحمه الله -

 

منذ فترة وأنا أمني نفسي في كتابة ترجمة عن الشيخ عبد الرحمن بن حمد الجطيلي - رحمه الله -، فرغم عظم مكانته وموسوعيته إلا أنه لم ينل حظه من الدراسة والتأليف في شخصيته والتعريف بجهوده في خدمة العلم في زمانه القريب.. والمرء يحار حين يريد أن يتحدث عن هذه الشخصية فهو من طبقة العلماء الذين في تتبعهم حياة للقلوب وقرب من الله وفي تتبع آثارهم الدعوية والعلمية نشر للعلم وتوجيه للدعاة والمربين، وسيرة الشيخ الجطيلي أكبر من أن تحيط بها سطور عجلى ولكن آثرت أن أقيد شاردها وأصيد خاطرها على حد تعبير ابن الجوزي رحمه الله، لذا أصحبكم معي في التفاتة إلى معالم في الطريق من حياة هذا الفقيه، لنأخذ زورة خاطفة لموكبه لنطلع على بعض المتفرقات من حياته:

كانت ولادة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري وذلك في الأرياف الغربية لمدينة بريدة وتحديداً بلدة القصيعة، ففي هذه البلدة وعلى كثبان رمالها وعلى سعف نخيل واحاتها كتبت صفحات بارزة من حياته، فقد عاش يتيماً يرفل نعيماً في أحضان والدته وكان الوليد الجديد يزحف في أحضان قريته ويدرج في ملاعب الصبا إلى أن بلغ السادسة من عمره تقريباً عندها اتجه إلى بريدة ليبدأ مشواره الصعب مع العلم والمعرفة والتحق بالمدرسة الفيصلية ببريدة ثم المعهد العلمي ببريدة وعاش المترجم له في مناخ علمي ساعده في التحصيل، حيث التحق بمجالس العلم وحلق الذكر التي كانت في بعض مساجد بريدة فدرس على الشيخ محمد الصالح المطوع في العقيدة وعلى الشيخ صالح الخريصي في الفقه وأصوله وعلى الشيخ إبراهيم العبيد في النحو والفرائض فلما اشتد عوده الفكري والجسدي يمم وجهه إلى الرياض حاملاً معه طموحه ليواصل مشواره في الدراسة النظامية ملتحقاً في كلية الشريعة في الرياض ليأخذ عن كوكبة من العلماء ومن أبرزهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - واستمر في تحصيله العلمي حتى نال شهادة الماجستير، وبعد عودته إلى بريدة أخذ بملازمة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - وعند انتقال الشيخ ابن حميد إلى مكة للإشراف الديني في المسجد الحرام أصر أن يرافقه الشيخ الجطيلي للعمل معه في مكة إلا أن بره بوالدته حال دون ذلك.

جهوده العلمية والدعوية

كان رحمه الله من أبرز الوجوه الثقافية التي كان لها دور فاعل في الحراك الثقافي والفكري في مدينة بريدة خلال الثمانينات والتسعينات الهجرية فقد بدأ بتعليق الأجراس الثقافية باكراً وسجله مليء بالإنجازات والمبادرات الدعوية البناءة وقد أحرز السبق في ذلك.

يقول أحمد شوقي:

خاضوا الميادين في فكر وفي عمل

فأحرزوا السبق في كل الميادين

كان كفاحه من أجل العلم والفكر ولم يكن من أجل المال وبناء الثروة والمناصب والوجاهات، فبجانب تبحره في كثير من المعارف شارك في العمل الوظيفي وفي حياته محطات كثيرة فمن عمله مديراً للمعهد العلمي بالمذنب ثم مديراً لمدرسة الشماس ببريدة ثم مديراً للمدرسة الزراعية إلى أن عمل مديراً للمكتبة العلمية العامة ببريدة، ولقد تعاقدت معه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليكون محاضراً بكلية الشريعة في قسم العقيدة، وكان عضواً مشاركاً في (الموسوعة الفقهية)، وكان - رحمه الله - يحمل هم هذه الدعوة التي رضع لبانها صغيراً وشب على تراثها كبيراً ونهل من ينابيعها وارتوى من سلسبيلها فكان يستلهم روح الإسلام ويترسم مبادئه السمحة فعندما يذهب إلى مكة يدرس بالمسجد الحرام بعد صلاة الفجر ويشارك في توعية الحجاج و تم تكليفه عام 1399هـ للإشراف على مدرسي الحرم في الحج، ولقد اختاره سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ليكون وكيلاً بالقصيم لمجلة الجامعة الإسلامية واستكتبه في مجلة الحج، كذلك له مشاركات في الإذاعة في برنامج حديث الصباح الذي يبث من إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.

جهوده في الدعوة إلى الله

كان له جهود متميزة في الدعوة إلى الله و أسلوبه يتسم بالسهولة واللطف وسلامة العبارة فكان يشارك في الندوات الأسبوعية مع عدد من المشايخ في الجامع الكبير في مدينة ببريدة ويقيم درساً في فتح القدير في المكتبة العلمية العامة في مدينة بريدة وكان يحمل هاجس الدعوة إلى الله فيذهب إلى الهجر والقرى يشعل قناديل العلم ويلقي كلماته فيأسر الحضور بمواعظه الشجية المؤثرة، وعندما يخطب يحدث في السامع الانكسار والتواضع وهو يوضح معاني العقيدة وعمق المضامين التي تحملها، ويستحضر الشواهد التي تلامس شغاف القلوب مما جعل صوته يرتبط في وجدان المصلين وما زال الجميع يحفظون في الذاكرة صوته الخاشع وهو يتلو القرآن ممزقاً سكون الليل في ليالي رمضان في جامع الجطيلي بشارع الصناعة ببريدة.

ثناء أحد تلاميذه عليه

كان الشيخ الجطيلي متواضعاً متوارياً عن الأنظار، وبساطته المتناهية جعلت له شعبية كبيره يقول الشيخ عبد الله بن صالح القصير الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية، عرفت شيخي عبد الرحمن خلال العقدين من عمره فكان (له دروس في مسجده وتقريرات ممتعة يزينها سمته ووقاره وهدوءه وأدبه حال الدرس وكان متواضعاً خلوقاً ذا هيئة مهابة وكان شديد الغيرة على الدين أمّاراً بالمعروف نهاءً عن المنكر وكان متابعاً لأخبار الجماعات الدعوية العاملة في الساحة الإسلامية).

مؤلفاته

أقبل الشيخ عبد الرحمن الجطيلي رحمه الله على كتب السلف يتزوّد منها تزوّد الحاذق الماهر مما انعكس على كتبه ومؤلفاته يدل ذلك ما تجده في كتبه من آثار، ولقد عرفت بحوثه وكتبه بالرصانة وجودة التوثيق وقد أسهم بإثراء المكتبة الإسلامية بما يلي:

1- إفادة المستفيد بشرح كتاب التوحيد.

2- الفوائد الحسان بشرح مراتب الإيمان (شرح لحديث جبريل في مراتب الإسلام).

3- الأجوبة المفيدة على أسئلة العقيدة.

4- نبذة مختصرة عن حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

5- الدلائل الواضحات في فضل الأضاحي عن الأحياء والأموات.

6- بيان خطر المخدرات وأنواع المسكرات.

7- الأضواء السنية في الخطب المنبرية.

8- التعليقات شرح الورقات في الأصول وهو شرح الورقات لإمام الحرمين في أصول الفقه.

9- بيان الدليل في فساد التوقيت بالزوالي.

10- مجموع المقالات (لم يطبع)

وفاته

رحمك الله أيها الطود الشامخ السامق سموق العلم والمعرفة.. رحمك الله أيها الساعي في غرس العلوم والمعرفة، فقد بذلت وسعك في نشر العلم والدعوة إلى الله حتى آخر رمق من حياتك التي يجب أن تحول إلى قصة تتوارثها الأجيال القادمة ليعرفوا كيف تكون المعاناة الحقيقية في بذل العلم، ولقد كانت وفاته رحمه الله عام 1404هـ بعدما أصيب بمرض السرطان - رحمه الله - وبرد الله مضجعه وأمطر عليه شآبيب رحمته وبارك الله في ذريته من بعده ونفع الله بعلمه وما ترك من الميراث العلمي. وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت بالقيام ببعض حق الشيخ على المستفيدين من علمه والمتتلمذين على طلابه وأن يكون هذا من نشر علمه وإبراز فكره وتوضيح جهده لينال دعاء الصالحين المخلصين من العارفين لفضل العلماء العاملين، والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد الملك بن عبد الوهاب البريدي

مدير مركز علاقات الإنسان بالقصيم

063823499 فاكس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد