جامعة جازان عمرها لم يتعدَّ السنوات الأربع، وعلى الرغم من ذلك حققت من الإنجازات كماً ونوعاً ما فاقت به مثيلاتها من جامعات البلاد. فقد بلغ عدد الطلاب في هذه الجامعة حتى العام الدراسي 1429-1430هـ ثلاثة وثلاثين ألف طالب وطالبة، موزعين على سبع عشرة كلية، وعدد الأقسام العلمية سبعة وثمانون، وعدد الأقسام العلمية للبنات ثلاثة وأربعون، وعدد المبتعثين إلى الخارج للدراسات العليا 124 طالباً وطالبة. وعدد أعضاء هيئة التدريس ألف ومائتان وثلاثة وستون، وعدد الموظفين الإداريين أكثر من 500 موظف وموظفة. وميزانية هذه الجامعة وصلت إلى سبعمئة وعشرين مليون ريال. ومن المتوقع أن تصل أعداد الطلاب والطالبات إلى خمسين ألفاً خلال السنتين القادمتين كما تؤكد إدارتها، وقد تم توقيع عدد كبير من المشاريع لتنفيذ المدينة الجامعية بتكلفة إجمالية قدرها نحو ملياري ريال.
هذه الجامعة قفز اسمها إلى صدارة أخبارنا المحلية، وتحدثت عنها الصحف، وكذلك منتديات الإنترنت، ليس لأنها الأقوى، والأعلى نمواً بين جامعاتنا، وليس لأنها تحقق تقدماً (نوعياً) على المستوى الأكاديمي، وبالذات في مجال الطب وعلومه، وإنما لأن مديرها محمد بن علي آل هيازع كان له رأي فحواه أن التخصصات في جامعة جازان يجب أن تواكب متطلبات سوق العمل، وبالتالي فإن بعض التخصصات النظرية لا تتناسب مع الطلب في سوق العمل، الأمر الذي يعني أن فتح كلية لمثل هذه التخصصات سيؤدي حتماً إلى المساهمة في تكدس الخريجين العاطلين عن العمل، بينما أن (تنويع) التخصصات، والتركيز على المجالات التي يعاني سوق العمل شحاً فيها، ويجري حالياً شغلها بغير السعوديين، من شأنه أن يساهم في محاصرة تفاقم نسب البطالة الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى سيوفر للشباب، وبالذات شباب منطقة جازان، فرصاً أفضل للعمل في منطقتهم بدلاً من السفر للعمل خارج المنطقة بعد التخرج. ومثل هذه القضية دائماً ما تتمحور حولها النقاشات عندما يجري الحديث حول البطالة، وتزايد نسبها، وكيفية مواجهتها، وليست قضية جديدة، غير أن هناك من يرفض هذا المنطق، ويصر على أن العلم والتعليم يجب أن يكون في منأى عن متطلبات سوق العمل.
الضجة التي أُثيرت حول هذه الجامعة الأحدث بين الجامعات السعودية، جعلتني أقرأ عنها وأتتبع نشاطاتها، عن قرب. فوجدت أنها بالفعل (درة على هام الوطن)، سواء من حيث الكم الكبير من الطلاب الدارسين فيها، أو من حيث المستوى العلمي للطلاب. وتعمل إدارة هذه الجامعة الفتية على التركيز بشكل كبير على الطب وعلومه، فإضافة إلى كلية الطب، هناك كلية العلوم الطبية التطبيقية، والكلية الصحية، وكلية طب الأسنان، وكلية الصيدلة. ولدى الجامعة علاقات أكاديمية وثيقة بجامعات عالمية رائدة في المجال الطبي، وتعمل إدارة الجامعة على تقوية عرى هذه العلاقات وترسيخها، بالشكل الذي يثري التخصصات الطبية في الجامعة. ويبدو - بوضوح - أن هناك هدفاً محدداً سلفاً مؤداه أن يكون المجال الطبي بكل تفرعاته هو المجال الذي له الأولوية المطلقة على بقية التخصصات في الجامعة، الأمر الذي سيجعل مدينة جازان بهذه الجامعة، ومستشفاها الجامعي التخصصي الذي من المقرر أن يضم 400 سرير، قبلة طلاب الاستشفاء في المملكة خلال العقدين القادمين إن استمر منحنى النمو النوعي لهذه الجامعة على هذا المستوى المتصاعد.
وإذا كان من العدل أن ينسب الفضل لأهله، فإن كل هذه الإنجازات الحضارية المتفوقة، التي وضعت جازان في هذا الوضع الحضاري الواعد، خلفها - كما يؤكد جميع أهلها - رجل يُسمى (محمد بن ناصر بن عبدالعزيز) أميرها الذي لا يكل ولا يمل في خدمة هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا جميعاً، والذي هو بحق رائد نهضتها. إلى اللقاء