يعد طلب العلم من الفضائل والمحامد التي حث عليها الإسلام ورغب فيها، وشجع على السعي في تحصيل العلم والتمكن فيه، ورفع شأن طالب العلم وقدره، وجعل درجته ومكانته عالية مقارنة بغيره من عامة الناس، نظرا لما له من دور رئيس، وقدرة وقيمة في هداية الناس إلى طريق الحق، ولما يسهم به في سبيل إسعاد البشرية وتخفيف آلامها، أو في تنمية الحياة وتطوير مصادر العيش فيها.
وتعامل الإسلام مع هذه الفضيلة بعقلية مرنة، ففتح الأبواب مشرعة أمام طالب العلم، فلا حدود مكانية أو زمانية تحول أمام طلب العلم، فالعلم يطلب من أي مكان يوجد فيه، وفي كل مرحلة من مراحل الحياة، بل حث ووجه إلى استثمار كل لحظة من لحظات العمر في طلب العلم وتحصيله، وتاريخ الحركة العلمية الإسلامية يزخر بنماذج شتى من الشواهد التي ضربت أروع الأمثلة في السعي الحثيث في طلب العلم وتتبع المعلومة من مظانها ومصادرها المعتبرة مهما كانت قيمتها، على الرغم من صعوبة الحركة ومشقة التواصل.
من هذا المنطلق انفتح العقل المسلم على العالم كله، يتلقى منه العلم والمعرفة، وساهم باقتدار في إثراء المعرفة الإنسانية وتنميتها بما يخدم البشرية ويسعدها، في شتى مجالات العلوم والمعارف، وكان له فضل ودور في تاريخ العلوم والمعارف، حيث ساهم وساعد على الكشف عن خبايا الكون ومكنونات الحياة وخفاياها وأسرارها التي لا تنقضي.
وتواصلا مع هذا النهج، وتحقيقا لهذه الغاية وإثراء لها، تبنى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز برنامج الابتعاث إلى الخارج، وتفعيلا لهذا البرنامج يوجد الآن نحو (70) ألف مبتعث من طلبة العلم في المستوى الجامعي والعالي، تم ابتعاث هؤلاء إلى بلاد مرموقة علميا، في شرق الدنيا وغربها، وفي مجالات علمية شتى تمس الحاجة لها، وقد تعاملت وزارة التعليم العالي مع هذه المهمة بكفاءة عالية واقتدار، وبضوابط ومعايير عادلة، هذا العدد الكبير من المبتعثين سوف يعودون إلى المملكة، ومظنة القول: أنهم قد تأهلوا علميا وعمليا، وهم جاهزون لمواصلة الإسهام والمشاركة في دفع عجلة التنمية، وهنا تتبادر إلى الذهن جملة من التساؤلات: هل سيتجه هؤلاء المبتعثون كلهم للعمل في القطاع الحكومي؟ أم ستحدد نسبة منهم للعمل في القطاع الحكومي والباقي يوجه إلى القطاع الخاص؟ هل سيعاملون وفق منهجية وزارة العمل وآليات صندوق تنمية الموارد البشرية؟ أم أنه لم يؤخذ في الحسبان أي صيغة للتعامل مع هؤلاء المبتعثين بعد عودتهم؟ غالب الظن أن باب الابتعاث فتح على مصراعيه، لكنه لم يلتفت إلى كيفية التعامل مع المبتعثين بعد عودتهم إلى المملكة، وإن صح هذا الافتراض، فهذه كارثة عظمى على البلد، اقتصاديا وتنمويا، وينم عن تخبط وعمى مزمن في الرؤية، وإهمال لكيفية التعامل مع المخرجات، وتوظيف الإمكانات.
ولهذا وقبل أن يقع الفأس في الرأس، وقبل أن يعود المبتعثون، ويفاجأوا بأن عليهم أن يتسولوا فرص العمل ويبحثوا عنها، وتتبخر أحلامهم، وتخسر الدولة جهودها ومالها الذي أنفقته عليهم، يجب أن تشكل لجنة برئاسة وكالة وزارة التعليم العالي لشئون البعثات التي أبدعت وأجادت في تنظيم الابتعاث وإدارته، وتيسير إجراءاته وضبطه، وأعضاء من وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل ومجلس الغرف التجارية، يوكل إلى هذه اللجنة التعامل مع العائدين من الابتعاث، وبلورة رؤية وخطة لكيفية استثمارهم وتوزيعهم لسد حاجة القطاع الحكومي والخاص، وتحدد نسبة لشغل الشواغر في القطاع الحكومي، وأخرى في القطاع الخاص، على أن يتم التواصل أولا بأول مع المؤسسات العلمية التي تعد المبتعثين لمعرفة تواريخ تخرجهم، ومن ثم التنسيق مع القطاعين الحكومي والخاص حول توجيه كل مبتعث للمكان المناسب، وفق التاريخ المتوقع لتخرجه وعودته للمملكة.
لقد استثمرت أموال طائلة في تأهيل هؤلاء المبتعثين، ويجب أن تيسر سبل الاستفادة منهم، وتوظيفهم في تنمية المجتمع وازدهاره.
ab_moa@yahoo.Com