Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/07/2009 G Issue 13428
السبت 11 رجب 1430   العدد  13428
هل نحن نفتقد ثقافة الحوار؟
مختصون وإعلاميون: نعم للأسف نفتقد تلك الثقافة

 

الجزيرة - منيرة المشخص:

هل نحن بالفعل كمجتمع نفتقر إلى ثقافة الحوار سواء مع أنفسنا أو المجتمع أو مع المجتمعات الأخرى؟ ما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ وكيف يمكن إعادة لغة الحوار إلى نصابها الحقيقي؟

هذه الأسئلة وغيرها قمنا بطرحها على عدد من المختصين وإعلاميين, بمناسبة انعقاد لقاء المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار الذي سيقام برعاية كريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبتنظيم من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.

صيغة الأمر أداة لتوجيه السلوك

يقول الدكتور صالح بن عبدالله العقيل دكتوراه في علم اجتماع الجريمة الذي بدا حديثه بسؤال مجيبا عنه في نفس الوقت قائلاً: إذا كان الحديث ينصب على القاعدة العامة أو التيار السائد وليس الاستثناءات فإننا بالفعل نفتقد ثقافة الحوار بيننا كأفراد في المجتمع، ولعل أهم خصائص غياب ثقافة الحوار عدم محاورة معظم الأفراد لذواتهم، فكم نسبة الأفراد الذين يعيدون النظر في أفكارهم وقناعتهم ويتساءلون: ما مدى صحة هذا الرأي أو هذه الفكرة أو هذا التوجه أو هذا السلوك؟

وأضاف العقيل: إن معظم الأفراد عاشوا في بيئة اتخذت من صيغة الأمر أداة لتوجيه السلوك وتحقيق التنشئة ومن سياط العقاب نصيبا لتصحيحه، فكيف سيكون حال هؤلاء الأفراد الآن، هل سيؤمنون بأن هناك حواراً له ثقافة؟ سوف يتساءلون أين هي أيام تنشئتنا الاجتماعية على مستوى المنزل والمدرسة والمسجد.. إلخ؟ أين هي على مستوى الإشباعات؟

ويشير الدكتور العقيل إلى أسباب ضياع الحوار فقال: لقد ساهمت التربية في ضياع الحوار، فالتربية في المنزل قامت على أداة الأمر وهكذا قامت على مستوى العمل والوظيفة في المؤسسة والشركة وكذلك قامت في المدرسة والجامعة على التلقين، حتى صارت التربية سبباً حقيقا لغياب لغة الحوار، ويشترك مع التربية مجموعة العوامل نوجزها فيما يلي:

عدم الإنصات الجيد للمحاور والتفكير في التعليق أثناء الحديث وعدم الاستعداد المبكر لتغيير الرأي والاقتناع بالرأي الآخر وغيرها من الأسباب ذات العلاقة في تفاعلاتنا اليومية فيما بيننا.

وأردف: اعتقد أننا بحاجة إلى حوار قبل التفكير بثقافة الحوار من الناحية الاجتماعية نحن بحاجة إلى التنازل عن صيغة الأمر في تفاعلاتنا على مستوى الأبناء واستيعابهم وتقبل ثقافتهم وعدم تهميشهم أو استبعادهم ومحاورتهم وإقناعهم بما نراه صحيحا حتى نربيهم على لغة الحوار السليم والصحي.

ثقافة المجتمع الأبوي:

ويتفق الكاتب الإعلامي الدكتور عبدالرحمن الوابلي مع ما ذهب إليه الدكتور العقيل بافتقاد ثقافة الحوار فأوضح ذلك قائلا: الذي أراه واضحاً وجلياً لي هو فعلاً بأننا نفتقد ثقافة الحوار بيننا كأفراد وجماعات وتيارات فكرية. وأرجع ذلك لكون ثقافتنا هي ثقافة مجتمع أبوي (بترياركي). أي أن الأب والمسؤول والمدير والأخ الكبير وقبلهم رئيس القبيلة، يملكون حق إملاء آرائهم، وعلى البقية وجوب تقبلها وتنفيذها بدون نقاش أو جدال. ومن يناقش أو يجادل فيها يوصم بالعقوق وسوء الأدب. وقد تم تكريس مفاهيم المجتمع الأبوي لدينا في التعليم، ما كرسها وجعلها سمة من سماتنا الذهنية، وهو عدم الخروج عن النص الرسمي، وإلا فالمأل هو الرسوب أو النجاح بتقدير مقبول في أحسن الأحوال.

ويضيف الوابلي: والذي قدس الذهنية الأبوية لدينا، وجعلها ثابتة من ثوابتنا هو تناولنا لتعاليم الدين من هذه الزاوية كذلك. حتى تم إقصاء أي اجتهاد مخالف ولو كان يتبعه معظم المسلمين في العالم والنظر إليه على أنه خروج عن صحيح الدين. وتم دمج ما هو اجتماعي بما هو ديني والتعامل معه على أنه ثابت ديني، لا متغير اجتماعي. ولذلك ليس بالمستغرب بأن نسمع بعد إلحاح وجهد جهيد بإقناع شخص ما بجواز مسألة دينية ما، بالدليل من القرآن والسنة وأقوال علماء السلف، بأن يرد عليك بصحيح، ولكن لنا نحن خصوصيتنا.

إذاً فقد تم تكريس الثقافة الأبوية التي لا تقبل النقاش والطرح ليس المغاير، وإنما حتى المتسائل، بمناهجنا التعليمية، ثم بتكريسها دينياً، ومن بعد تغليفها بالخصوصية. حتى أنسحب ذلك التكريس والتقديس على الأعراف والعادات القديمة وتم خلطها بالمقدس الديني والدفاع عنها كثابت من ثوابتنا الدينية.

ويواصل الدكتور عبد الرحمن قائلاً: إذاً فعندما أوصلتنا الذهنية الأبوية (المقدسة) لامتلاك الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، فالحوار والجدل حولها يصبح كفر بالحقيقة المقدسة الثابتة لدينا.

ويرى الدكتور الوابلي إن الوقت فات بالنسبة للجيل الحالي في نشر أساسيات تلك الثقافة ألا انه لم يفت بالنسبة للأجيال القادمة فبين ذلك قائلاً:

أبرز أساسيات الحوار لا تنطبق علينا الآن، ولكن من الممكن زرعها بأجيالنا القادمة. والذي يمكننا عمله الآن هو سن قوانين وأنظمة واضحة لا تقبل التأويل لعكسها، لحماية حق المواطن في الاختلاف والدفاع عن حقه في ذلك. وتثقيف المواطنين في حقهم في الاختلاف وطرق الدفاع عنها. والعمل على غرس ثقافة الاختلاف والحوار عند جيلنا القادم، عن طريق التعليم الذي يساعد الطالب والطالبة على التفكير واستخلاص النتائج المنطقية الخاصة به وبها. ويضيف: ومن هنا نزرع لديهم ثقافة التفكير وتشغيل المخ والشجاعة على البوح بما يفكرون ويتوصلون له من نتائج. والتي بدورها سوف توصلهم لحقيقة واحدة بأن لا أحد يمتلك الحقيقة كلها، وإنما كل منهم قد يمتلك جزء منها، ومع الحوار بينهم يتم الوصول لبعض الحقيقة أو كلها. وإفهامهم عن طريق الممارسة والتدريب بأن لا خصوصية لإنسان غير أن يكون عاقل ومفكر ومستقل بفكرة.

مع تعليمهم ثوابت الدين والتي هي قليلة بعددها وما عداها فقابل للنقاش. وبأن للآباء زمانهم وللأولاد زمانهم المختلف، كما سيكون للأحفاد زمانهم المختلف كذلك. فقد قال الإمام والخليفة الرابع علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، (لا تربوا أولادكم على طبائعكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم).

وتتفق الكاتبة الصحفية في صحيفة عكاظ أسماء آل محمد مع ما قاله الآخرون في افتقادنا الثقافة فتقول: نعم توجد طبقات تستمتع بمنافع ثقافة الحوار ونجح أبناء هذه الطبقات وازدهرت الحياة في السعودية عطفا على المناخ الحواري الذي خلقت هذه الثقافة وأسست لبنيته التحتية فيما تكابد طبقات أخرى في المجتمع ويطحنها الصمت وينعكس ذلك لنا من واقع ما يرصده الإعلام من تفشي العنف الأسري وارتفاع معدلات الجريمة والانتحار والهروب وغيره ولو توفر حوارا اسريا أو اجتماعيا بين هذه الطبقات لانخفضت نسب العنف والطلاق والتفكك لدينا.

وتؤكد أسماء افتقار المجتمع الإعلامي إلى الثقافة ذاتها بل ترى ان هناك من يرفضها فقالت:

كأفراد مجتمع إعلامي لا نفتقد ثقافة الحوار فقط بل هناك من يقاومها ولا يسعى لردم الفجوات بين الأجيال والفئات الإعلامية والقطاعات.. يوجد بعض المؤشرات المرضية إلى حد ما لكنها تحتاج منا للمزيد من التصعيد.

وكفئات شابة حق الكبار علينا والزملاء الأقدم والأساتذة ان نمد نحن معهم جسور التواصل والتحاور وهذا ما عرفه الوسط الإعلامي على مستوى الرجال إذ خرجت إلى النور منظمات هامه مثلا - (النادي الإعلامي السعودي) في المنطقة الغربية وفي المنطقة الوسطى (ملتقى إعلاميي الرياض) وهذا الأخير لي عتب عليه إذ لا يوجد بينه وبين الإعلاميات أي نوع من أنواع الحوار على أهميته، وسؤالي لماذا تغيب المرأة الإعلامية عن مناسباتهم وهي الزميلة أليس من حقها الاستفادة من تجارب من يستقطبونهم من الضيوف الكبار؟ إنني أجدها فرصة من هذا المنبر لتذكيرهم بدورهم في الارتقاء بفكر المجتمع ونبذ الفكر الاقصائي بداية من تغيير واقع ونظرة الزملاء الإعلاميين أنفسهم وإصلاح واقع وفكر الإعلامي والارتقاء به سينعكس بالضرورة على واقع وفكر المجتمع لجهة المرأة وحضورها. وأشدد هنا على أن غياب المرأة عن هذه المنابر غيابا تاما غيب قضاياها ورؤيتها لأننا نفتقد حضورها وتحدثها عن قضاياها وبغياب الحوار هنا تغيب القضية.

وتضيف أسماء: من هنا تنبع حاجتنا كإعلاميات في ظل خصوصيتنا السعودية إلى منبر حوار يحتوي حراكنا الإعلامي وحاجتنا للتحاور وبالتأكيد نحتاج إلى مظلة حوارية إعلامية تحتوي الإعلامية الأنثى على مستوى مناطق المملكة العربية السعودية، وفي كافة قطاعات الإعلام، وهذا بالتأكيد سيخرج منه دفعة قوية للأمام تبلور استحقاقات الإعلاميات السعوديات على كافة المستويات وهو ما نحتاج إليه حاجة ماسة للغاية لم يعد من الصواب تأجيلها.

وترى محمد أهمية الدور الإعلامي في نشر تلك الثقافة حيث قالت: الإعلام أهم القطاعات التي فتحت الفرص للحوار والجدال والمساجلات لأفراد المجتمع وابرز ذلك تنمية متراكمة للتجربة فريدة من نوعها من واقع كون الحوار مفضي بالضرورة إلى إبراز التنوع والثراء المعرفي في التوجهات والرؤية لدى أفراد وقطاعات المجتمع وشهدت الصحف مشاركة أقلام وأطروحات لم نحلم يوما ان تتحاور معنا كجيل شاب ومنهم شيوخ فضلاء من هيئة كبار العلماء، ورجال من سلك القضاء ومن قطاعات أخرى قربنا الحوار الإعلامي منهم.

والبرامج الحوارية في الإعلام المرئي لتجربتها انعكاساتها ذات أهمية قصوى مؤثرة خرج لنا عبر منابر الحوار كبار الشخصيات وقياديين من الأهمية بمكان ان نطلع من خلالهم على ما يخطط له وينعكس على الوطن المواطن. وتتطرق الإعلامية أسماء في نهاية حديثها إلى تجربة معالي وزير الثقافة والإعلام في فتح باب الحوار قائلة: ولا انسى تجربة تواجد معالي وزير الثقافة الإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة على (الفيس بوك) وتحاوره مع الإعلاميين وبنات وأبناء المجتمع من خلال الشبكات الحوارية الاجتماعية كل هذه التفاصيل مؤشر هام على أن ترسيخ ثقافة الحوار لها انعكاساتها الايجابية جدا والتي نتمنى ان تزدهر وتصل بنا إلى تضييق المساحات وردم الفجوات بين طبقات وأفراد المجتمع.

من جانبها شددت الدكتورة نورة الحساوي أستاذ الحديث المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على أهمية ثقافة الحوار فقالت: ثقافة الحوار ضرورية جدا لتحقيق التوافق بين الإنسان ومن حوله سواء داخل الأسرة أو في العمل أو غير ذلك, وهي ثقافة موجودة في صميم ديننا الحنيف فالكلمة الطيبة أثنى الله عز وجل عليها في كتابه الكريم وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم. وتوضح الدكتورة نورة الآثار السلبية لفقدانها حيث قالت: ولكننا نفتقر إليها حاليا في حياتنا وهذا له آثار سيئة منها: أن افتقاد لغة الحوار يؤدي إلى الجفاء بين الناس وربما سبب قطيعة المسلم لأخيه المسلم.

ومنها أن كثيرا من المشكلات بين الآباء والأولاد وبين الزوجين وبين الزملاء في العمل يمكن حل الكثير منها من خلال حوار واع ومهذب وعدم وجود ثقافة الحوار قد يؤدي إلى انحراف الأولاد أو الطلاق أو التحاسد والتباغض وغيرها مما حذر منه الدين الحنيف.

وتشير الحساوي إلى أن ثقافة الحوار باب لكثير من الخير لأن المسلم يستطيع أن يدعو إلى الخير ويحذر من الشر ويصلح ذات البين ويدعو إلى الإسلام وغير ذلك من أبواب الخير التي يمكن ولوجها إذا أتقن المسلم ثقافة الحوار.

وتتطرق الدكتورة الحساوي في ثنايا حديثها إلى إبرز أساسيات الحوار من الناحية الشرعية والتي قام المشرع بوضعها فتقول:

من أبرزها: احترام الآخر وعدم فرض الوصاية عليه فقد قال الله تعالى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}، واستخدام أسلوب اللين والرفق والرحمة كما قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكََ}، كذلك تقديم حسن الظن وانتقاء العبارات والكلمات الطيبة وغير ذلك.

وتؤكد الدكتورة نورة الحساوي في ختام حديثها أن الدين الإسلامي لم يفرق في تعاليمه وتوجيهاته في ثقافة الحوار بين المسلم وغير المسلم ألا في أمور بسيطة فأوضحت ذلك قائلة:

لا تختلف إلا في حدود ضيقة فالأساسيات واحدة لأنها تعتمد على حسن الخلق والرغبة في الخير والاختلاف يكمن في الطريقة المطلوبة للوصول إلى نقاط الاتفاق وما تستلزم من إلمام بالدين بالنقاط المختلف فيها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد