Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/07/2009 G Issue 13428
السبت 11 رجب 1430   العدد  13428
الأسواق الصاعدة والهابطة.. نصف عام من التناقضات
كيف نحمي مقدرات اقتصادنا من القادم الأسوأ؟!

 

عبدالحميد العمري (*)

أغلقت السوق المالية المحلية ومعها أسواق المال الإقليمية والعالمية ملف النصف الأول من عام 2009م على نتائج أداء متباينة؛ ففي حين حلّت السوق المالية السعودية بأدائها للنصف الأول من العام الجاري في المرتبة الأولى ضمن مصفوفة الأسواق الخليجية بنحو 15.6 في المائة، إلا أنها حلت في المرتبة الثالثة مقارنة مع أداء أسواق المال العالمية الرئيسة؛ حيث حلت بورصة Hang Seng في المرتبة الأولى بنحو 27.7 في المائة، تلتها بورصة Nasdaq في المرتبة الثانية بنحو 16.4 في المائة. في المقابل، حينما نراقب أداء الأسواق المالية محلياً وإقليماً وعالمياً منذ مطلع أكتوبر 2008م الذي بدأت معه أعاصير التراجعات الحادة بسبب الأزمة المالية العالمية، فإننا محلياً نلاحظ تراجع خسائر السوق السعودية إلى نحو 25.5 في المائة، محققةً أدنى خسائر رأسمالية بين أسواق منطقة الخليج التي تصدرتها بورصة دبي بخسارة بلغت 56.8 في المائة، فبورصة البحرين بخسارة بلغت 35.8 في المائة، وفي المرتبة الثالثة حلّت بورصة مسقط بخسارة بلغت 33.9 في المائة. أما على مستوى الأسواق حول العالم فتصدرت السوق السعودية سلّم الخاسرين، تلتها بورصة Daw Jones بنحو 22.2 في المائة، فبورصة CAC 40 بنحو 22.1 في المائة، ولم يستطع تعويض خسائره الرأسمالية خلال تلك الفترة سوى بورصة Hang Seng بمكاسب طفيفة وصلت إلى نحو 2.0 في المائة.

أسواق صاعدة واقتصادات هابطة

استعرضتُ أمام القارئ الكريم في نبذة مختصرة أهم مسارات أداء الأسواق المالية خلال النصف الأول من العام الجاري، التي شهدت قيعان سحيقة أعقبتها بحالة من الصعود اللاهث نحو الأعلى في غياب أية محفزات اقتصادية فعلية، إذ تواصلت وتيرة التذبذبات الحادة في أسعار الصرف، ويوماً بعد يوم كانت سياسات البنوك المركزية المتتابعة نحو خفض تكلفة رؤوس الأموال من أجل إنعاش الاقتصادات تتلاشى خلال أيام قليلة لاحقة، وشهراً بعد شهر تتصاعد أعداد العاطلين عن العمل في شوارع مدن الاقتصادات الرئيسة قبل الاقتصادات الصاعدة، ورصيداً أكبر يتعاظم من المفلسين في أنحاء المعمورة بدءاً من البنوك مروراً بالشركات الصناعية العملاقة قبل الصغيرة وانتهاء بقوائم طويلة مرصوصة بأسماء رجال وسيدات الأعمال، لينضموا إلى أسراب المتعثرين والمفلسين الأفراد من العاطلين عن العمل! ألقت تلك المؤشرات السلبية وغيرها من بقية المؤشرات الهابطة بضلالها القاتمة على الاقتصادات الكلية، بدأت معها المؤسسات والهيئات الدولية بإصدار تنبؤاتها بدخول أغلب اقتصادات العالم في حالة من الانكماش قد لا تخرج منه قبل منتصف العقد الجاري! ارتسمت في ضوء ما تقدّم العديد من الصور البالغة التشويش على المراقبين والمستثمرين وحتى راسمي السياسات الاقتصادية، أفضى بعشوائيته المفرطة إلى اختلاط الحابل بالنابل، أعدم بدوره أية احتمالات مستقبلية دقيقة يمكن التنبؤ بها والركون إليها، كما أعدم أيضاً في فوضاه الغارقة في الغموض أية اعتبارات ممكنة للاقتناع أو الثقة في مصفوفة المجتمع العالمي برمته. في مواجهة هذه الحالة البالغة التشويش من أوضاع الاقتصاد العالمي؛ يجدر التأكيد هنا على أهمية التخلص قدر الإمكان من الثقوب السوداء التشاؤمية من جانب، وألا تنتزعنا حالة مفرطة من التفاؤل الموغل في التهور والاستعجال من جانب آخر. مع التأكيد على ضرورة تلك الخطوة رغم صعوبتها، مستندين إلى حتمية أن يتم تجزئة الصورة الكلية للاقتصادات حول العالم بمنطق الأرقام ولا سواها، نعم ازداد التقارب الاقتصادي العالمي ولكنه لم يصل بعد إلى حدود التكامل التام، فلا تزال هناك فجوات ومسافات هائلة بين الاقتصادات المتقدمة من جهة، ومن جهة أخرى الاقتصادات الصاعدة والناشئة، فقوة الزلازل الاقتصادية والمالية الهائلة التي أنهكت وستظل تنهك قوى الاقتصادات المتقدمة لعدة سنوات قادمة، لم ولن تصل إليها حالة الاهتزازات المتوسطة والخفيفة التي حدثت لدى مصفوفة بقية الاقتصادات إن كانت صاعدة أو حتى ناشئة. تأتي أهمية استحضار السمات المختلفة بين الاقتصادات حول العالم من أجل التنبيه المهم على ضرورة التفكير في أن حتى تداعيات ونتائج الأزمة المالية العالمية هي أيضاً مختلفة! ولعل إلقاء نظرة مبسطة على الأشكال البيانية المقارنة المرفقة بالتقرير هنا، لتؤكد لنا غياب تلك النظرة التحليلية والمستقلة عن كل من حالتي التشاؤم أو التفاؤل، فكما يُلاحظ أن جميع أسواق المال الخليجية تعرضت إلى سوط قاس من الخسائر الرأسمالية فاق مثيله في المواطن الأصلية للأزمة، متجاهلة تماماً كل مميزاتها الاقتصادية والمالية بدءاً من احتياطياتها المالية الضخمة التي تفوق مجتمعةً سقف التريليوني دولار أمريكي، مروراً بانخفاض مديونياتها الحكومية ونسبها إلى الاقتصادات الكلية، وانتهاءً بسلامة أوضاع أنظمتها المالية والمصرفية والتجارية إلى حدٍّ بعيد مقارنةً بمثيله في الغرب المنكوب!

لعل ما شهدته الأسواق المالية مع مطلع الربع الثالث من تراجعات حادة يعكس جزءاً بسيطاً من عنوان المسلسل القادم لما تبقى من العام الجاري، وما سيليه من أعوام قليلة قادمة ستتسم فيه بارتفاع حدّة التذبذبات في أسواق العملات والمال والسلع بصورة أعنف مما سبق، وهذا ليس إلا انعكاساً متوقعاً لما تعانيه وستعانيه تلك الاقتصادات الكلية في المناطق الرئيسة للأزمة المالية، ولهذا يجب التأكيد على عدم تكرار أخطاء الماضي القريب ممثلاً في الاستحضار المضاعف لتداعيات الأزمة، وإسقاطه من ثمَّ -دون وعي أو مسؤولية- على كاهل الأسواق المالية في منطقة الخليج العربي. نعم؛ من المقبول لدى المتعاملين في Daw Jons أن تهوي خلال جلسة الخميس 2 يوليو بأكثر من 2.6 في المائة، كونها ردة فعل متوقعة لارتفاع أحجام العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 467 ألف عاطل جديد خلال الشهر الماضي، بل كان من غير المعقول طوال فترة الربع الثاني أن نشهد ارتفاعات تأرجحت بين 4 و7 في المائة شهرياً في مقابل الزيادات المتتابعة لأعداد أولئك العاطلين الأمريكيين! ولكن هل من المقبول أن نرى أسواق منطقة الخليج عموماً والسوق السعودية خصوصاً تلحق ب Daw Jons على غير هدى في الهبوط العنيف؟! رغم الزخم الهائل للإنفاق الحكومي المحلي ورغم ما يشهده اقتصادنا السعودي من انتفاضة على مستوى البنى التحتية، بدءاً من تنفيذ المشاريع العملاقة وانتهاءً بتدشين مدن كاملة البنيان، سيُضخ لأجلها وغيرها من احتياجات التنمية الشاملة محلياً للخمس سنوات القادمة فقط أكثر من 400 مليار دولار أمريكي (أي ما يفوق 1.5 تريليون ريال)، أي ما يتجاوز 21 في المائة من إجمالي إنفاق الحكومة خلال أربعة عقود مضت!! لا أريد أن يُفهم من حديثي هنا عدم وجود مؤثرات لما يحدث في العالم من حولنا على اقتصادنا المحلي، بل المقصود أن توضع الأمور والمتغيرات في مواقعها بعيداً عن الإفراط وبعيداً عن الإلغاء! بأن نقدّر التداعيات حسب أرقامها الفعلية ودرجات ارتباطاتها البنيوية، نصل من خلالها إلى قرارات موضوعية أكثر منها انفعالية، تؤدي بدورها إلى المحافظة على مقدرات ومكتسبات الاقتصاد الوطني، لا كما هو قائم بين أظهرنا دون وعي أو حتى أدنى المستويات من العقلانية.

كيف نحمي مقدرات اقتصادنا من القادم الأسوأ؟!

أعتقد أن إبراز ما يتمتع به اقتصادنا الوطني من امتيازات تنافسية، وما يستوطنه من فرص مثلى للاستثمار والمتاجرة، يعد أحد أهم خطوط الدفاع عن المصالح العامّة والخاصة لاقتصادنا، وأهمية أن تتوافر لأحد أعضاء أهم وأكبر 20 اقتصاد في العالم المضادات الفعالة لأية تداعيات قادمة من الخارج؛ خصوصاً ما يتعلق منها بحزمة التطورات والتغيرات المشوشة، والأخبار غير الدقيقة والمضللة أحياناً، إضافة إلى مسلسل الشائعات وبعض التقارير والتحليلات المتحيزة. أؤكد على أنها مسؤولية تتطلب بذل جهود عملاقة ومستمرة تؤدي إلى تحصين الاقتصاد الوطني ومقدراته ضد (الأصداء الإعلامية المبالغ فيها) لتداعيات الأزمة المالية العالمية، وإلى وضع الأمور في نصابها لدى الوعي المجتمعي لدينا، وأن اقتصادنا الوطني يقف - بحمد الله - على أرض صلبة ومتينة. كما يندرج تحت تلك المسؤولية دور ثنائي الجوانب من ناحية الإعلام أولاً، ومن الناحية الأخرى ممثلاً في جانب المعلومات الاقتصادية ثانياً، ما يتطلب ذلك الدور المسؤول معه ضرورة تزويد مختلف وسائل الإعلام (المرئية، المقروءة، المسموعة، الإنترنت) بزخم متدفق ومستمر من التقارير والإحصاءات الدورية الدقيقة (أسبوعياً، شهرياً، ربع سنوياً)، تزيل معه أي تضليل محتمل، وتسد به تماماً أية منافذ للشائعات أو الأخبار غير الدقيقة وغير الموثقة، ولترسخ عوضاً عنه الصورة الفعلية للاقتصاد الوطني بجميع نشاطاته وفعالياته. ووفقاً للهيكل الاقتصادي الحديث والمنظم لدينا؛ أعتقد أن أكثر الأجهزة تأهيلاً لتلك المسؤولية الوطنية أعلاه يتمثل في المجلس الاقتصادي الأعلى؛ كونه المستوى الذي يضم تحت مظلته كلاً من (وزارة العمل، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة المالية، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة المياه والكهرباء، ومؤسسة النقد العربي السعودي). ولعله من المفيد القول إن مبادرة المجلس الاقتصادي الأعلى بتحمل عبء تنفيذ هذا المطلب الحيوي المسؤول، الذي أراه حلماً قابلاً للتحقق، ينصبُّ تماماً في صميم فقرات ما نصّت عليه المادة الخامسة من تنظيم المجلس المتعلقة باختصاصات المجلس، والتي أفادت كل من فقرتيها الخامسة والسادسة على ما يلي:

الفقرة رقم (5) - اتخاذ ما يلزم لإعداد الدراسات والتقارير والبحوث حول الموضوعات ذات الصلة بالاقتصاد، وذلك بتكليف الجهات الحكومية ذات العلاقة، أو التعاقد مع بيوت الخبرة، أو الاستعانة بمن يراه من الخبراء. ويستمع المجلس الاقتصادي الأعلى لما يقدمه محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي من معلومات وتقارير وسياسات نقدية.

الفقرة رقم (6) - إعداد تقرير دوري عن الاقتصاد الوطني بناءً على ما تعدّه الجهات المختصة.

(*)عضو جمعية الاقتصاد السعودية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد