Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/07/2009 G Issue 13426
الخميس 09 رجب 1430   العدد  13426
الحبر الاخضر
إنجاز الدقيقة الأخيرة
د. عثمان العامر

 

الطالب يذاكر عند باب قاعة الامتحان ولو سمح له الأستاذ لقلّب صفحات الكتاب محاولاً المرور عليه سريعاً وهو على طاولة الامتحان، يقرأ ويخطط ويلخص ويعلق والمشرف على القاعة يكرر على مسامع الجميع (أغلقوا الكتب وكل واحد يضع ما في يده على الأرض تحت الكرسي)!!، ومن لديه مناسبة زواج مثلا تجده يشتر ما تبقى من مستلزمات ليلة الزفاف بعد مغرب تلك الليلة!!، والعريس يوصي صديقه أو أخيه بأن يتابع الحجز وهو متجهاً لدخول عش الزوجية الجديد والسفر غداً أو بعد غد!!، والحال كذلك عند الزوجة وأهلها، ومن أراد الدليل فعليه سؤال المشاغل ومحلات الخياطة والحلويات والمطابخ و...!!، ومن يريد السفر لرحلة خارجية يتقاطر مع أمثاله هذه الأيام عند مقّار سفارات الدول المختلفة للحصول على التأشيرة ويتردد صباح مساء على وكالات السياحة والسفر للظفر بمقاعد وفي أقرب وقت وبأي سعر، ويحاول حجز الفنادق، وربما ظل يلهث حتى لحظة ركوبه الطائرة في رحلته السياحية التي الأصل فيها الاستمتاع والاستجمام!!، ومن لديه التزام بموعد محدد سلفاً وربما كان مهماً لا يتحرك إلا عند دخول الوقت ويصل غالباً بعد البداية!!، ولا نذهب للصلاة إلا في الدقيقة الأخيرة!!، وإذ أردت المثال الأكثر دلالة فانظر إلى حال الناس حين يقال غداً رمضان، مع أنهم يعلمون قبل أشهر أنه سيهل هلال هذا الشهر الكريم اليوم أو غدا بالكثير!!، وكذا الحال حين يعلن العيد!!، وأنا مثل غيري في ذلك، كنت غالباً لا أجيد فن الإنجاز إلا في الدقيقة الأخيرة، وسألت كثيراً ممن حولي فوجدت حالهم كحالي بل أسوأ وأشد، الأمر الذي جعلني أقتنع أن هذه ثقافة مجتمع بأكمله وتربية متجذرة تحتاج إلى تأطير وتغيير، وفي هذه الأمثلة وغيرها كثير دليل واضح على غياب التخطيط لدينا وعدم تنظيمنا للوقت، واختفاء سلم الأولويات في حياتنا فلا نعرف المهم والأهم ولا نقدم ونؤجل بعد المقارنة والسبر،، إننا بإيجاز أصحاب قرارات مرتجلة أكثريتها وليدة اللحظة وغالبها وللأسف الشديد قرارات عاطفية تلعب بها الأهواء وتحركها النزوات وربما المجاملات والرغبات المكبوتة، ولذا قد ندفع ثمن اللحظة الأخيرة غالياً سواء مادياً أو معنوياً، فالقرارات غير المدروسة والارتجالية في آخر الدقائق قد تفقدك لذة الانتصار وغياب التخطيط يؤدي غالباً إلى تحمل الديون وصرف للمال في غير وجهه وشراء التحسيني وترك ما هو مهم وضروري في حياتك، ولك أيها القارئ الكريم دعوة من القلب بأن تعيد النظر في نفسك وتسبر أغوار حياتك ولو كان منك ذلك في لحظة صفاء وصدق مع الذات فستجد بالفعل أنك بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب بيتك من الداخل، بعد إجراء مفاضلة سريعة بين الخيارات العديدة التي أمامك في مثل هذه الأيام، وحتى تنجح في هذا يجب عليك أن تكون حازماً فيما تقرر ولو كلفك الأمر مصادمة المجتمع في عاداته وتقاليده، وأن تخطط لحياتك بشكل مدروس حتى تتعود على الإنجاز المتقن وعبر مراحل طويلة وبصورة جميلة، وصدقني أنني أمر الآن بهذه التجربة محاولاً العلاج للتخلص من الإنجاز في الدقيقة الأخيرة وحققت تقدماً جيداً ولله الحمد والمنة، العزيمة والصبر وكتابة ما تريد في ورقة صغيرة تنظر إليها في كل وقت ومسح ما تم إنجازه وكتابة ما تعثر مرة أخرى في صبيحة اليوم الجديد، والشعور بالتحدي في سبيل التغيير المدروس ووجود من يساعدك على ذلك ممن هم حولك كل هذه الأشياء ستكون عوناً لك بعد عون الله لتحقيق الإنجاز في دقائق الساعة كلها ليس فقط في الدقيقة الأخيرة وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد